إطعامُ الجياعِ ومؤاساةُ المُحتاجين «القوت اليومي

 

   تأمّلوا أيُّها الذين يتنعّمونَ، ويُنفقون اموالَهُم في الأطعِمَةِ اللذيذةِ وَ الأشرِبَةِ المُسكِرَةِ و الملابِسِ الفاخِرة، وجُملَةً في ما لا حاجَةَ إليهِ لقيامِ الحياة، وإخوَتُهُم شُركاؤهُم في أُخوَّةِ المسيح يموتون مِنَ الجوعِ والعطش، يَنقُصُهُم مُمسِكُ الرَّمق.

إنّ الذي جُعِلَ في أيدينا ليسَ لنا وحدنا، بل لنا و للمُعوزين على السّواء.

فكما نستعمِلُهُ لِسدِّ حاجاتنا، كذلكَ يَجِبُ علينا أنْ نُمِدَّ منهُ المحتاجينَ بِما يَسُدُّ حاجاتِهِم، ولا نخُصُّ بِهِ أنفُسنا وحسب.

ما أجدَرَنا بأن نَنْصاعَ لقولِ الرسول، و قد نَطَقَ على لسانهِ روحُ مُرسِلِهِ، قال : لا يَطْلُبَنَّ أحدٌ ما يوافقُهُ، بلْ لِيَطلُبْ كلُّ واحدٍ ما يوافقُ قريبهُ أيضاً.

 إنَ اللهَ قد جعلَ للخلاصِ طرائقَ عدّة، و لم يَحصُر جميعَ الفضائلِ في ما لهُ علآقَةٌ بنا وحَسْب، بل جعلَ فينا ما يستَقُّر كالصوم والصلاة والعفّة، وما يسري منا إلى غيرنا كالصدقة والتعليم والمحبّة.

فإنّ هذه تنفعُنا وَ تنفَعُ الذين سَرَتْ منّا إليهِم. ولا ريبَ أنّ هذه الفضائل الناظِرَةَ الى القريب مبنيّةٌ على المحبّة. وهي مِنْ خصائصِ تلميذ المسيح، بها يُعرَفُ أنّهُ تلميذُه، كما قال، لَهُ المَجْد : بهذا يعرفُ الناسُ أنَكم أحِبّائي، إذا أحببتُم بعضكُم بعضاً .

قال بولسُ التلميذُ الحقّ: لو أطعَمْتُ المساكين جميعَ أموالي وأسلَمْتُ جَسَدي ليُحرَق، ولم تَكُن فيَّ المحبّة، فلستُ بشيء. فهذه غايَةٌ عظيمَة. وأعظَمُ منها القول : لو بَذَلَ الإنسانُ دَمَهُ في الشهادة، وآخَرُ لَمْ يُقْدِم عليها، وآثَرَ عليها خيرَ القريب، لكان من الرابحين.

 فالصَدَقَة عظيمَةٌ جداً، لأنّ معها الصومَ يُقبَل. قال النبيّ: إنّ مِثلَ هذا الصومِ يُرضي الله. ومعهُ تصعَدُ   الصلاة. لأنّ الكتاب يقول: إنّ صلواتِكَ و صدقاتِكَ قد صعِدَت ذِكراً لكَ قُدَّامَ الله.

قراءةٌ  مِنَ القدّيس يوحنّا فَمِ الذَهب (+ 407)

 ( العظة 31)