«أَما هُوَ ٱلنَّجّارُ، ٱبنُ مَريَم» «القوت اليومي
«أَما هُوَ ٱلنَّجّارُ، ٱبنُ مَريَم» (مر 6: 3)
إنّ الكلمة، كلمة الله الأزليّ "قامَ لِنصرَةِ نَسلِ إبراهيم، فَحُقَّ علَيه أن يَكونَ مُشابِهًا لإخوَتِه في كُلِّ شَيء" (عب 2: 16-17)، فأخذ جسدًا مثل جسدنا. ولهذا كانت مريم ضروريّةً حقًّا من أجل أن يأخذ هذا الجسد منها ويقدّمه من أجلنا على كونه جسدَه الخاصّ...
لقد بشَّرها الملاك جبرائيل بكلمات مختارة بعناية، فلم يقل لها بطريقة سطحيّة: "ذاكَ الذي سيولد فيكِ"، بل قال: "ذاك الذي سيولد مِنكِ". لقد تمَّ كلُّ شيء من أجل أَن تكون طبيعتنا كليًّا طبيعته عندما قبلها وقدَّمها ذبيحة. لقد أراد أن نلبس نَحنُ بَعدَ ذلكَ طبيعته الإلهيّة الخاصّة.
من أجل ذلكَ قال القدّيس بولس: "فلا بُدَّ لِهذا الكائِنِ الفاسِدِ أن يَلبَسَ ما لَيسَ بِفاسِد، ولِهذا الكائِنِ الفاني أن يَلبَسَ الخُلود" (1كور 15: 53). لم يتم ذلكَ شكليًّا كما يظنُّ بعض الهراطقة: حاشا! لقد أصبح المُخلِّص إنسانًا حقًّا، وخلاص الإنسان الكامل أتانا من ذلكَ الأمر...
خلاصنا ليس شكليًّا. فهو ليس للجسد وحده، بل للإنسان بمجمله، نفسًا وجسدًا. وهذا الخلاص أتى من الكلمة نفسه. إنّ الذي وُلِدَ من العذراء كان حقًّا إنسانًا من حيث الطبيعة على ما جاء في الكُتب، وجسد المخلِّص كان جسدًا حقًّا. نعم، جسد حقيقيّ، بِما أنّه مماثل لجسدنا، ولأنّ مريم هي أختُنا من حيث كوننا جميعًا أولاد آدم.
القدّيس أثناسيوس (295 - 373)،
بطريرك الإسكندريّة وملفان الكنيسة