أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم «القوت اليومي

إنّه لمن الضروري جدًّا أن نفهم سرّ الفرح العميق الذي يسكن يسوع والذي هو خاصّته...

إن كان يسوع يُشعُّ بسلام كهذا، وبثقة كهذه، وببهجة كهذه وبتواجد كهذا، فهذا كلّه بسبب الحبّ اللامتناهي الذي يعرف أنّ الآب يكنّه له.

خلال معموديّته في نهر الأردن، تجلّى هذا الحبّ الذي كان حاضرًا منذ اللحظة الأولى لتجسّده: "أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضِيت" (لو3: 22). لا يفارق هذا اليقين ضمير يسوع. هذا الحضور لا يتركه البتّة (يو16: 32).

تغمره معرفة حميمة: "أعرف الآب والآب يعرفني" (يو10: 15). هو تبادل لامتناهٍ وكامل: "وجَميعُ ما هو لي فهو لَكَ وما هو لَكَ فهو لي" (يو17: 10)... "أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم" (يو17: 24). تتضّح لنا هنا علاقة حبٍّ متحفّظة، تمتزج بوجوده كابن وهي سرّ الحياة الثالوثيّة: الآب يظهر كالذي يمنح ذاته للإبن من دون تحفّظ، باندفاع الكرم السعيد، والابن الذي يمنح ذاته بالطريقة نفسها للآب، باندفاع الامتنان السعيد من خلال الروح القدس.

وها هم الرسل، وكلّ مَن يؤمن بالمسيح، مدعوّون إلى هذا الفرح. لقد أراد يسوع أن ينالوا هذا الفرح التام في أنفسهم (يو17: 13): "عَرَّفتُهم بِاسمِكَ وسأُعَرِّفُهم بِه لِتَكونَ فيهمِ المَحبَّةُ الَّتي أَحبَبتَني إِيَّاها وأَكونَ أَنا فيهِم" (يو17: 26).

يبدأ فرح الخلود بالحبّ الإلهي من هنا. إنّه فرح ملكوت الله. لكنّه مرتبط بطريق وعر، يتطلّب ثقة مطلقة بالآب والابن، وتفضيل للملكوت.

تَعِد رسالة يسوع قبل كلّ شيء بالفرح، هذا الفرح اللجوج؛ ألا ينفتح لنا عبر التطويبات؟ "طوبى لكم أيّها الفقراء، لأنّ لكم ملكوت السماوات. طوبى للجياع، لأنّهم سيُشبعون. طوبى للحزانى، فإنّهم يُعزّون".

البابا بولس السادس
الإرشاد الرسولي "عن الفرح المسيحيّ"