صَومُ الآباء «القوت اليومي

 

 

 

 

صامَ موسى صَومًا نَقيًّا يَومَ صَعِدَ إلى الجَبل، وَحَمَلَ ألواحَ الوَصايا لِلّشَعب. صامَ مَرَّتين أربَعين يومًا، فاشْتَدَّ وَنالَ مَجْدًا عَظيمًا، فسَطَعَ وَجْهُهُ وَأبْعَدَ الغَضَبَ عَنْ شَعْبِهِ، فظلَّ الشَعْبُ سَليمًا.

 

على مِثالِ موسى، صامَ إيليَّا، الرَّجُلُ القوِيّ، يَوْمَ طارَدَتْهُ إيزابيل، ثمَّ بَلغَ جَبَلَ حوريبَ بَعْدَ أرْبَعين يَومًا مِن الصَومِ (1 مل 19/8). هُناكَ كلَّمَ اللهُ إيليَّا وتَجَلّى لَهُ وأمَرَهُ "أنِ امْضِ وامْسَحْ ياهو بْن نِمْشِيَ مَلِكًا على إسْرائيل، وامْسَحْ أليشاعَ بْن شافاطَ نبيّاً بدلاً منكَ" (1مل 19/15-16).

 

ولقدْ سُرَّ إيليَّا بِتَجَلّي ربِّهِ في أثناءِ صَوْمِهِ الكامِل، كما سُرَّ موسى لمَّا صامَ مَرَّتينِ أربعين يومًا، و أخمدَ بِصَومِهِ غضَبَ الرَّبِ على شعبِهِ، وأخَذَ ألواحَ الشَريعَةِ التي كتبَها إصْبَعُ الله. نالَ كِلاهُما المَجْدَ بِصَوْمِهِ وَوُجِدا كامِلين...

      

أيُّها العزيز! إنَّ الصَومَ عنِ المآثِمِ كان أبَدًا الأفضل. إنّهُ أفضَلُ مِن الصَومِ عَنِ الخُبزِ والماءِ. مِن الأفضلِ أنْ يُعَنّي الإنسانُ نفسَهُ ويُحْني رأسَهُ كالبَرْدِيّ، وَيَفتَرِشَ المِسْحَ والرَّماد، كما قالَ أشعيا. عِنْدَما يَصومُ الإنسانُ عَنِ الخُبزِ والماءِ وَعَن جَميعِ الأطعمة، وَيَفتَرِشُ المِسْحَ والرَّمادَ وَيَتَمَرْمَر، فَصومُهُ حَسَنٌ ومَرْضِيٌّ وَصالِح.

 

وأفضَلُ إذا واضَعَ الإنسانُ نفسَهُ، وحَلَّ قُيودَ النفاقِ وَفَكَّ رُبُطَ الغِشّ. حينئذٍ ينبثِقُ نورُهُ كالشَمْسِ، و يَسيرُ برُّهُ أمامَهُ، وَهو كالفِرْدَوسِ يُزهِرُ وَكَيُنبوعِ ماءٍ لا يَنضَبْ (أشعيا 58/6- 11).

 

 

(البيان الثالث، في الصوم،3و8)

قراءةٌ من أفراهاتَ الحكيمِ الفارسيّ (+345)