ألصّليبُ سِلاحُ الظَّفر «القوت اليومي





 رَبُّنا داسَهُ المَوت، فعادَ شَقَّ فوقَ المَوتِ طَريقا، تَعَبَّدَ لِلمَوت، حَمَلَهُ حُرًّا لِيَرْمِيَ بِالمَوْتِ قهْرًا. حَمَلَ رَبُّنا صَليبَهُ وَخَرَجَ بإرادَةِ المَوْت. ولكِنَّهُ صاحَ مِنْ فوْقِ الصَّليب، فأخْرَجَ المَوْتى مِنْ جَوْفِ الجَحيمِ بِرُغْمِ إرادَةِ المَوت. بالسِّلاحِ الَّذي بهِ قتَلَهُ المَوت، ظفرَ هُوَ على المَوْت. إحْتَجَبَ اللاهوتُ في النَّاسوتِ وَدَنا مِنْهُ، فقتلَ وقُتِل: قتلَ المَوْتُ الحَياةَ في طَبْعِنا، وَقتَلَتْهُ الحَياةُ التي بِغَيْرِ طَبْعِنا.


لَمْ يَكُنِ لِلمَوْتِ أنْ يَفتَرِسَهُ بِغَيْرِ جِسْم، ولا لِلجَحيمِ أنْ تَبْتَلِعَهُ بِغَيْرِ لَحْم، فجاءَ إلى البَتولِ يُهَيَّئُ مِنْ دَمِها رَكوبَةً يَدْخُلُ بِها الجَحيم: مِنْ أتانٍ أتَوْهُ بِرَكوبَةٍ دَخَلَ بِها أُورشليم، فبَشَّرَ بِدَمارِها وَتَهْجيرِ بَنيها. وبِالجَسَدِ الذي أخَذَهُ مِنَ البَتول، دَخَلَ الجَحيمَ وَنَهَبَ كُنوزَها وَأفْرَغَها مِنْ ذخائِرِها.


 جَاءَ إلى حَوَّاءَ، أُمُّ كُلِّ حَيّ، إنَّها الكَرْمَةُ الَّتي هَدَمَ المَوْتُ سِياجَها بِيَدِها، وَتَلذَّذَ بِثِمارِها. وإذا بِحَوَّاءَ أُمُّ كُلِّ حَيّ ٍ قدْ صارَتْ يَنْبوعَ المَوتِ لِكُلِّ حَيّ. بَدَّلَتْ مَرْيَمُ الغَرْسَةُ الجَديدَةُ حوَّاءَ الكرْمَة العَتيقة، حَلَّتْ فيها الحَياةُ الجَديدة: فإذا طلبَ المَوْتُ مَرْعىً وَجاءَ يَحْمِلُ، كعادَتِهِ، أثمارَهُ المائِتة، وَجَدَ الحَياةَ قاتِلةَ المَوْتِ كامِنَةً فيها، فإنْ حَاوَلَ أنْ يَبْتَلِعَها بِلا وَجَل، أفلَتَتْ مِنْهُ مَعَ كثيرين!



(مقال في ربِّنا، 3)

مارِ أفرامَ السُّريانيّ (+373)