ألرُّوحُ مُتنوِّعُ المَواهِب «القوت اليومي
قراءة من القدّيس كيلّرس الأورشليمي (380+)
كيفَ تَرْمُزُ المياهُ إلى الرُّوح القُدُس ؟
ولِماذا دَعا النِعْمَةَ الرُّوحِيَّةَ ماءً ؟
لِأنّهُ مِنْ الماءِ تأخُذُ جَميعُ الأشْياءِ كِيانَها : ألماءُ يُنْبِتُ النَباتَ والحَيَوان. لأنّهُ مِنَ السَماءِ يَهْطِلُ ماءُ المَطَرِ وَيَنْزِلُ بِشَكْل ٍ واحِد، ولكنّهُ يُنْتِجُ أشْكالاً كَثيرَةً مُتنوِّعَة. عَينٌ واحِدَةٌ تُرْوِي الفِرْدَوْسَ كُلَّهُ، وَمَطَرٌ واحِدٌ يَسْقي العالمَ بأسْرِهِ، فيَصيرُ أبْيَضَ في الزَنْبَقة، وأحْمَرَ في الوَرْدَة، وأرْجُوانيّاً في البَنَفْسَجِ والياسَمِين، يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّع ِ الأشْكال. وهُوَ في النَحْلةِ يَخْتَلِفُ عَنْهُ في الكَرْمَةِ وفي كُلّ ِ الأشْياء، على أنَّ طبيعَتَهُ واحِدَةٌ في حَدَّ ذاتِها. فالمَطَرُ هُوَ هُوَ لا يَنْزِلُ تارَةً بِشَكْلٍ وطوراً بِشَكل ٍ آخَر. ولكنّهُ يَتَكَيّفُ بِتَكَيُّفِ العَناصِرِ التي تتقبَّلُهُ، فيَأتي لِكُلٍّ مِنْها بِما يُلائِمُهُ.
هكذا الرُّوحُ القُدُس، فهُوَ واحِدٌ بَسيطٌ لا يَتَجَزّأ، يُوَزِّعُ النِعْمَة على كُلّ ِ واحِدٍ كما يَشاء. وكما أنَّ الخَشَبَ الجافّ، إذا ارْتوى بالماءِ أزْهَر، كذلِكَ النَفْسُ الخاطِئة، بِنِعْمَةِ التَوبَةِ التي يَمْنَحُها الرُّوحُ القُدُس، تُنْبِتُ فُروعَ بِرّ. ومَعَ أنّهُ بَسيط، إلّا أنّهُ يأتي بأشياءَ كثيرَةٍ حَسَنة، بإرادَةِ اللهِ وباسْم ِ المَسيح : فيَسْتَخْدِمُ لِسانَ إنْسان الحِكْمَة، ويُنيرُ نَفْسَ الآخَرِ في النُبوءَة. يَمْنَحُ هذا سُلطاناً لِطرْدِ الشياطين، ويُعْطي ذاكَ هِبَة َ تَفْسيرِ الكُتُبِ الإلهيَّة. يُقوِّي القناعَةَ في هذا، ويُعَلّمُ ذاكَ الرَأفَة. يُعَلّمُ الواحِدَ الصَوْمَ والزُهْد، والآخَرَ احْتِقارَ أفْعالِ الجَسَد، ويُهيِّىءُ الآخرَ إلى الاسْتِشْهاد. إنّهُ يَخْتَلِفُ في الآخرين، ويَظَلُّ هُوَ هُوَ في ذاتِهِ بدون ِ اخْتِلاف، كما هُوَ مَكْتوب: كُلُّ واحِدٍ يَتَلَقّى مِنْ تَجَلّياتِ الرُّوح ِ لأجْل ِ الخَيْرِ العَام...
(العظة السادسة عشرة، 12)