عيد رأس السنة، ختانة يسوع، يوم السلام العالمي «الإنجيل
إنجيل يوحنا (14/ 27 – 31)
السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم. فلا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم ولا تَفْزَعْ.
سمِعتمُوني أَقولُ لَكم: أَنا ذاهِبٌ، ثُمَّ أَرجعُ إِلَيكمُ. لو كُنتُم تُحِبُّوني لَفَرِحتُم بِأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب لأَنَّ الآبَ أَعظَمُ مِنِّي.
لقَد أَنبَأتُكم مُنذُ الآنَ بِالأَمرِ قَبلَ حُدوثِه حَتَّى إِذا حَدَثَ تُؤمِنون. لن أُطيلَ الكَلامَ عَلَيكُم بَعدَ ذلك لأَنَّ سيِّدَ هذا العالَمِ آتٍ ولَيسَ لَه يَدٌ علَيَّ.
وما ذلِكَ إِلاَّ لِيَعرِفَ العالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآب وأَنِّي أَعمَلُ كما أَوصاني الآب. قوموا نَذْهَبْ مِن ههنا.
تأمل: (لمزيد من الإستنارة الروحيّة قراءته طوال الأسبوع بتمهّل).
يندرج هذا النص في إطار خطاب وداع يسوع لتلاميذه. بعد أن غسل يسوع أرجل تلاميذه في العشاء الفصحيّ ها هو يعطي وصيته لتلاميذه الخائفين.
يسوع الذاهب إلى الألم والموت يشجع التلاميذ، يعدهم بالمعزّي، يعلن لهم قدوم الرّوح القدس الذي يعزّيهم ويعلّمهم كلّ شيء، ويذكّرهم بكلّ ما قاله يسوع (14، 26).
"سلاماً أترك لكم، سلامي أعطيكم"، يسوع الذاهب إلى الصّليب لا يبشّر التلاميذ بالألم إنّما بالسّلام، سلام مميّز لا يُمكن لأحدٍ آخر أن يُقدّمه.
هذا التناقض بين السّلام المسيحانيّ، السّلام النهيويّ الذي سوف يميّز حالة الخلاص قد أشار إليه الأنبياء في العهد القديم: العالم يقدّم سلامًا واهيًا مزيفـًا لا يدوم ولا يشفي جراح الإنسان (إر 6، 14؛ 14، 19)، والعالم بابتعاده عن وصيّة الله وجد التعاسة بدل السّلام والألم بدل الخلاص (23، 17).
يسوع ذكّر تلاميذه بأقوال الأنبياء، ويوحنّا بهذا يشدّد على الجديد الذي يقدّمه المسيح: هو تتمة نبوءات العهد القديم وواهب السّلام الحقيقيّ من خلال عطيته للرّوح القدس.
"أنا ماضٍ ثمّ إليكم أجيء": يوحنّا يستعمل أسلوب التناقض في هذا النصّ: سلام يسوع – سلام العالم، أنا ماضٍ – أنا آتٍ، أن تحبّوني – تفرحون برحيلي. أسلوب التناقض هذا يستعمله يوحنّا ليشير إلى الإختلاف الجوهريّ في المنطق بين تلميذ المسيح وروح العالم.
العالم أراد التخلّص من المسيح، من خلال صلبه أمّا التلميذ فيرى في موت المسيح بسبيل عودته إلى الأرض منتصراً. لا يُمكن لتلميذ المسيح أن يرى في موته علامة هزيمة بل إنتصار للحبّ على الشرّ وللسّلام على العنف.
- "أن تحبّوني تفرحون بذهابي": يسوع يطلب من تلاميذه تغيير منطقهم ليكونوا تلاميذاً حقيقيّين للمسيح: يدعوهم إلى التخلي عن حبّهم التملّكي ليسوع ويقبلوا بفرح كون معلّمهم آتٍ يخلّص الكون كلّه. أدخل يسوع تلاميذه في منطق الحبّ الشموليّ، والشموليّة هي ميزة السّلام المسيحانيّ: كلّ الكون يطاله سلام المسيح وخلاصه.
علامة حبّ يسوع هي القبول بضرورة رحيله إلى الآب، يصدر رسالة الإبن وغايتها. بهذا المعنى نفهم "أنّ الآب أعظم منّي"، ليس من ناحية الطبيعة الإلهيّة، إنّما لأنّ الآب هو مصدر رسالة الإبن والإبن أطاع "حتى الموت، موت الصّليب" ولم يعدّ مساواته لله الآب غنيمة. هي أيضاً رسالة يوجّهها يسوع إلى تلاميذه: أن نجعل أولى أولويّاتنا تتميم ارادة الله في حياتنا.
الأب بيار نجم ر.م.م.