السبت السابع بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى 21/ 33 ـ 46)
33 قال الربّ يسوع: "اسمعوا مثلًا آخر: كان رجل ربّ بيت. فغرس كرمًا، وسيّجه، وحفر فيه معصرة، وبنى برجًا، ثمّ أجرّه إلى كرّامين، وسافر.
34 ولمّا اقترب وقت الثمر، أرسل عبيده إلى الكرّامين، ليأتوه بثمره.
35 وقبض الكرّامون على عبيده فضربوا بعضًا، وقتلوا بعضًا، ورجموا بعضًا.
36 وعاد ربّ الكرم فأرسل عبيدًا آخرين أكثر من الأوّلين، ففعلوا بهم ما فعلوه بالأوّلين.
37 وفي آخر الأمر أرسل إليهم ربّ الكرم ابنه قائلًا: سيهابون ابني!
38 ورأى الكرّامون الابن فقالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث! تعالوا نقتله، ونستولي على ميراثه.
39 فقبضوا عليه، وأخرجوه من الكرم وقتلوه.
فمتى جاء ربّ الكرم، ماذا يفعل بهؤلاء الكرّامين؟"
41 قالوا له: "إنّه سيهلك أولئك الأشرار شرّ هلاك. ثمّ يؤجّر الكرم إلى كرّامين آخرين يؤدّون إليه الثمر في أوانه".
42 قال لهم يسوع: "أما قرأتم في الكتاب: الحجر الذي رذله البنّاؤون هو صار رأس الزاوية، من لدن الربّ كان هذا، وهو عجيب في عيوننا؟
43 لذلك أقول لكم: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُم، ويُعْطَى لأُمَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرَهُ.
44 فمن وقع على هذا الحجر تهشّم، ومن وقع الحجر عليه سحقه"
45 ولمّا سمع الأحبار والفرّيسيّون أمثال يسوع، أدركوا أنّه كان يعنيهم بكلامه.
46 فحاولوا أن يمسكوه، ولكنّهم خافوا من الجموع الذين كانوا يعتبرونه نبيًّا.
أوّلًا قراءتي للنصّ
أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة الليتورجيّة"، العنوان التالي "مثل الكرّامين القتلة"؛ له نصّ موازٍ في (مر 12/ 1 ـ 12)، وآخر في (لو 20/ 9 ـ 19)؛ يمكن مراجعة شرح هذا المثل، حسب مرقس، في زمن العنصرة، الأسبوع الثامن عشر، الأحد؛ نورد التفسير التالي له.
ربّ البيت هو الله الآب، الكرم هو شعب الله المختار (أش 5/ 1 ـ 7)، الكرّامون هم شيوخ الشّعب والكتبة والفرّيسيّون، العبيد هم الأنبياء، الابن الوارث هو يسوع، الأمّة الجديدة هي الكنيسة، الكرّامون الجدد هم خدّام الكنيسة وأفرادها.
ونورد أيضًا الشّرح التالي لهذا المثل، كما جاء في "الترجمة الليتورجيّة".
إنّه مثل مشترك بين الإزائيّين؛ فيه يشدّد الربّ يسوع على أمانة الله لعهده مع شعبه، وعلى كفر شعبه المتواصل به؛ لقد أرسل الله لشعبه الأنبياء، الواحد تلو الآخر، فضربوا بعضًا، وأهانوا بعضًا، وقتلوا بعضًا؛ وأخيرًا، أرسل لهم ابنه الوحيد، فقتلوه؛ لكنّ الابن قام من الموت، وأسّس الكنيسة، شعبه الجديد من شعوب الأرض كافّة: "إنّ ملكوت الله يُنزع منكم، ويُعطى لأمّة تثمر ثمره" (43).
بالواقع يقسم نصّ هذا المثل إلى قسمين. يتكلّم القسم الأوّل، من جهّة، عن مشروع الله الآب الخلاصيّ في هذا العالم، المتمثّل بغرس الكرم وإتقانه، وتأجيره إلى كرّامين، وإرادة الحصول على ثمره؛ ومن جهّة أخرى، عن واقع وصول شيوخ الشّعب والكتبة والفرّيسيّين إلى فصل هذا المشروع، بتصرّفهم وبسوء فهمهم، عن الله الآب، واضعه وراعيه، المعبَّر عنه بعدم إعطاء هؤلاء الكرّامين شيئًا من ثمر الكرم لعبيد صاحبه، وبسوء التصرّف نحو هؤلاء العبيد، بضربهم وإهانتم وقتلهم، وبقتل ابنه الوحيد بالذات، بهدف الاستيلاء المكشوف على ميراثه.
هي الخطيئة عينها، في حقيقتها، التي فصلت، منذ البدء، الإنسان الأوّل عن خالقه، وها هي، هنا، تفصل الإنسان المختار عن مخلّصه!
ويتكلّم القسم الثاني عن انتزاع ملكوت الله من هؤلاء الرّؤساء الذين أفسدوا مبادرة الله بفهمهم المحدود والمغلوط لها، وبتمسّكهم بهذا الفهم، رفض أي تعديل أو تصحيح له؛ ثمّ إعطاء هذا الملكوت الذي حمله، كاملًا، المسيح إلى العالم، "لأمّة تثمر ثمره" (43)، أي الكنيسة التي أسّسها الربّ، ويتابع، فيها وبها، عمله الخلاصيّ، وفق تصميم الآب، وبفعل الرّوح القدس، إلى منتهى الدهر، متخطيّة هكذا ما قد يعترض مسيرتها العالميّة من مواقف خارجيّة كثيرة معادية، أو من وهن ذاتيّ، متأتٍّ من ضعف المسؤولين فيها وتقاعسهم، أو من سوء تصرّفهم المتسبّب من سوء فهم لكلمة الله التي هي حياتها.
ثانيًا قراءة رعائيّة
جعل متّى مثل الكرّامين القتلة بين مثل الابنين (28 ـ 32)، ومثل عرس ابن الملك (22/ 1 ـ 14)، في سياق الصّراع أو الجدال المحتوم بين يسوع ورؤساء الشّعب؛ لمّح يسوع، هنا، إلى أنّ هؤلاء الرؤساء، بعد أن رفضوا مرسَلي الله واضطهدوهم، لم يبقَ لهم سوى أن يقتلوا الابن؛ ولكنّ الابن لن ينتهي بالقتل كما حدث مع المرسلين قبله، بل سيقوم من الموت، ويسلّم الكرم (الملكوت) إلى كرّامين يعطوه ثمرًا.
يتكوّن المثل من قسمين، يصف القسم الأوّل كيف حُرم سيّد الكرم من ثمر كرمه، الذي طالب به بواسطة عبيده، وبواسطة ابنه في النهاية (34 ـ 39)؛ ويصف القسم الثاني كيف سلّم سيّد الكرم كرمه إلى كرّامين جدد يؤدّون ثمرًا (40 ـ 44)؛ يطلب السيّد الثمر كلّه، لا جزءً منه فحسب كما في (مر 12/ 2 ؛ لو 20/ 10): لأنّه هكذا تكون الأمانة للعهد.
الآية (35)
ينطبق كلام يسوع، هنا، على الأنبياء في درجة أولى، ثمّ على الرّسل والذين جُلدوا (رسل 5/ 40)، وعلى يعقوب الذي قُتل (رسل 12/ 2)، وعلى إسطفانوس الذي رُجم (رسل 7/ 58 ـ 59).
الآيتان (40 ـ 41)
على سؤال يسوع، أجاب الرؤساء: "يُهلك أولئك الأشرار شرّ هلاك"، فحكموا هكذا على نفوسهم؛ هنا، يقرأ متّى ما حدث لأورشليم سنة 70 من دمار، وما حصل لأهلها من قتل وتشريد؛ ثمّ خسر الشّعب اليهوديّ مكانته، وحلّت الكنيسة محلّه، وصارت الكرم الجديدة بما فيها من وثنيّين اهتدوا إلى الإيمان.
الآية (42)
لا يتوقّف القارئ في قراءته للمزمور 118/ 22 ـ 23 عند موت يسوع، أو عند مصير الملكوت، بل عند عمل الربّ العجيب الذي يقيم ابنه من الموت، ويسلّم الملكوت إلى كرّامين يعطونه ثمرًا؛ رأس الزاوية هو حجر الغلقة (في رأس العقد)، هو الابن، والشّعب الذي يعطي الثمار هو الكنيسة.
الأب توما مهنّا