السبت الرابع من زمن القيامة «الإنجيل
إنجيل اليوم ( متى 14/ 22-33)
22 وفي الحالِ ألزَمَ يسوعُ التَّلاميذَ أَن يَركَبوا السَّفينَةَ وَيَسبِقوهُ إِلى الضِّفَّةِ الأُخرى رَيثَما يَصرِفُ الجُموع.
23 ولبَعدَما صرَفَ الجُموعَ، صَعِدَ إلى الجَبَلِ مُنفَرِدًا لِيُصَلِّي. ولمّا كانَ المساء، بَقِيَ يسوعُ وَحدَهُ هُناك.
24 وكانت السَّفينَةُ قَد أصبَحَت على مسافةِ غَلَواتٍ كثيرَةٍ مِنَ اليابِسَة، وكانتِ الأَمواجُ تَلطِمُها، لأَنَّ الرِّيحَ كانت مُخالِفَةً لَها.
25 وفي آخِرِ اللَّيل، جاءَ يسوع إلى تلاميذِهِ ماشِيًا على البُحَيرَة.
26 ورآهُ التَّلاميذُ ماشِيًا على البُحَيرَةِ، فاضطَرَبوا وقالوا: "إنّهُ شَبَح!" ومِن خَوفِهم صَرَخوا.
27 وفي الحال كلّمَهُم يسوعُ قائِلًا: "ثِقوا! أَنا هو، لا تَخافوا!"
28 فأَجابَه بُطرس وقال: "يا رَبّ، إِن كُنتَ أنت هُوَ، فمُرني أَن آتِيَ إِلَيكَ على المياه".
29 فقالَ: "تَعالَ!" ونَزَلَ بُطرُسُ مِنَ السَّفينَةِ فَمَشى على المياه، وذَهَبَ نَحوَ يسوع.
30 ولمّا رأَى الرِّيحَ شديدَةً خافَ، وبَدَأ يَغرَق، فصَرَخ قائِلًا: "يا رَبّ، نَجِّني!"
31 وفي الحالِ مَدَّ يسوعُ يَدَهُ فَأَمسكَه وقالَ لَهُ: "يا قَليلَ الإِيمان، لِماذا شَكَكْتَ؟".
32 ولمَّا صَعِدَ يسوعُ وبُطرُسُ إلى السَّفينة، سَكَنَتِ الرِّيح.
33 فسجَدَ الَّذينَ هُم في السَّفينةِ لِيَسوعَ وقالوا: " حَقّاً أَنتَ ابنُ اللهِ!".
أوّلًا قراءتي للنصّ
حول ما حدث بعد معجزة تكثير الخبز والسمك، يتوافق متّى ويوحنّا في العديد من النقاط، ويتفارقان في بعض التفاصيل المختصّة بهذه أو تلك من هذه النقاط؛ رأينا سابقًا ما حدث بعد المعجزة المذكورة في يوحنّا (خميس الأسبوع الرابع من زمن القيامة)، نرى الآن ما حدث في المناسبة نفسها، في متّى، وهكذا تظهر مجالات التقارُب والتفارُق.
يلزم يسوع تلاميذه بأنْ يسبقوه إلى الضفّة الأخرى، بينما هو يصرف الجموع؛ ثمّ يصعد إلى الجبل، منفردًا ليصلّي؛ الأمواج تلطم بشدّة السفينة التي كان التلاميذ فيها، وهي لا تزال بعيدةً عن اليابسة، إلى أن جاءهم يسوع، في آخر الليل، ماشِيًا على البحيرة؛ ما أن رآه التلاميذ حتّى ظنّوه شبحًا، ومن خوفهم صرخوا؛ فكلّمهم يسوع قائلًا: "ثِقوا! أَنا هو، لا تَخافوا!".
يتفرّد متّى بما يلي.
يذكر متّى، أوّلًا، أن بطرس أراد أن يتأكّد من أنّه هو يسوع، فالتمس منه القدرة على ملاقاته مَشيًا على المياه؛ لبّى يسوع طلب بطرس، فمشى هذا على المياه؛ ولكنّه، ما عتّم أن خاف من شدّة الريح، وكاد يغرق؛ فاستنجد بيسوع؛ لبّاه يسوع: فأمسكه بيده، وبعدها، وبّخَه على قلّة إيمانه.
ويذكر متّى، ثانيًا، أنّ الريح سكنت، عندما صعد يسوع وبطرس معًا إلى السفينة.
ويذكر متّى، ثالثًا، أنّ التلاميذ، أمام ما حدث، سجدوا ليسوع في السفينة، وأعلنوا عن إيمانهم به قائلين: "حقًّا، أنت ابن الله"!
ثانيًا"قراءة رعائيّة"
من خلال الرمز، نرى في هذا النصّ بأنّ ليسوع سلطةً على الشرّ، وبأنّ بطرس يجسّد بمواقفه الجماعةَ التي تشكّ وتظنّ بأنّ المسيح بعيد عنها في أحوالها وصعوباتها الزمنيّة، وتطلب المعجزة لاستعادة الثّقة والإيمان والقوّة، لكي تتمكّن من مجابهة الرياح المضادّة.
شرح عبارات وكلمات
صرف الجموع (23)
لأنّهم أرادوا أن يقيموه ملكًا؛ يسوع لا يطلب مُلْكه الخاصّّ، بل ملكوت الله.
ليصلّي (23)
صلاة يسوع تسبق أو تتبع الأعمال المهمّة في رسالته (26: 36)؛ أمّا مضمون صلاته فنجده في الصلاة الربّيّة أو في صلاته في البستان.
الآية (24)
يسوع غائب عن جماعته التي هي السفينة؛ إنّه يصلّي لأجلها، لكي لا تخاف الأمواج (شرّ البحر)، والرياح المخالفة (الضيق والاضطهاد). (راجع 8: 23-27).
اللَّيل (25)
يدلّ على غياب يسوع (يو 21: 3)؛ ويدلّ أيضًا على آلامه في جبل الزيتون (26: 36)؛ في آخر الليل، قبل الفجر، جاء يسوع (جاءت القيامة)، ماشيًا على البحيرة (منتصرًا على الموت)، وملتقيًا من جديد بالرسل.
ومن خوفهم صرخوا (26)
يتولّد الخوف من المجهول، وربّما من حضورٍ متسامٍ يستشفّه الخائف، ولكنّه لا يدركه!
الآية (27)
أحسّوا، مع الخوف، أنّهم ضعفاء، خطأة، لذلك شجّعهم (ثِقوا)؛ "أنا هو؟" تعني هذه العبارة، أوّلًا، "أنا يسوع"؛ وتعني، ثانيًا، وعلى ضوء القيامة: أنا يهوه، أنا الربّ (يو 8: 58).
آتي إليك على المياه (28)
انتهت مسيرة يسوع في القيامة وفي ظهوراته بعد القيامة؛ بعدها، بدأت مسيرة الكنيسة التي يمثّلها بطرس؛ فلها منه أن تدوس الماء، أن تتغلّب على الشرّ، وتحقّق المسيرة الخلاصيّة التي أتمَّها.
خاف بطرس (30)
إذا كان الإيمان يمنع من الغرق أمام الصعوبات والاضطهادات، فالخوف عكسه، إنّه يدلّ على قلّة الإيمان؛ الربّ وحده يبدّد الشكّ والارتياب.
حقًّا أنتَ ابنُ الله (33)
هذه العبارة التي تتردّد بفم بطرس (16: 16)، وبفم رئيس الكهنة (26: 63)، وبفم قائد المئة ورجاله (متّى 8: 10)، تعني، في الإطار اليهوديّ، المَلِكَ الذي اختاره الله وتبنّاه (مز 20: 7)، وفي الإطار المسيحيّ، يسوع الذي هو ابن الله والذي يسجد له الرسل.
الأب توما مهنّا