السبت التاسع من زمن العنصرة «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى ٢٣ /١-١٢)
١ كلَّم يَسوعُ الجموعَ وتلاميذَهُ.
٢ قائلاً: "على كُرسيِّ موسى جَلَسَ الكتبَةُ والفرِّيسيُّون.
٣ فاعملوا بكُلِّ ما يقولونَهُ لَكُم واحفَظُوه، ولَكِنْ مثلَ أعمالِهِم لا تعمَلوا. فهُم يقولونَ ولا يعملون.
٤ إنَّهُم يحزِمون أحمالاً ثقيلةً، ويضعونَها على أكتافِ النّاس، وهم لا يرِيدون أن يُحرِّكوها بإصبعِهم.
٥ وجَميعُ أعمالهِم يَعمَلونَها ليراهُمُ النّاس: يُعرِّضونَ عصائِبَهم، ويطوِّلونَ أطرافَ ثيابِهم،
٦ ويُحبّون مقاعِدَ الشَّرَفِ في الولائِم، وصدور المجالِسِ في المجامعِ،
٧ والتَّحيّات في السّاحات، وأن يدعوهُمُ النّاسُ: رابّي!
٨ أمّا أنتُم فلا تقبَلوا أن يدعوكُم أَحَدٌ: رابّي! لأنَّ مُعَلِّمكم واحد، وأنتُم جميعُكُم إخوَة.
٩ ولا تدْعوا لَكُم على الأرض أبًا، لأنَّ أباكُم واحد، وهو الآبُ السّماويّ.
١٠ ولا تقبلوا أن يدعوكم أحدٌ مدبّرين، لأنَّ مدبّركم واحد، وهو المسيح.
١١ وليكُنِ الأعظَمُ بينَكُم خادمًا لَكُم.
١٢ فَمَن يرفَعْ نفسَهُ يواضَعْ، ومَن يواضِعْ نفسَهُ يُرفعْ".
أوّلاً قراءتي للنّصّ
أُعطيَ لهذا النصّ العنوان التالي "رياء الكتبة والفرّيسيّين"؛ وهناك نصّان موازيان له، في مرقس (١٢ /٣٨ -٤٠)، وفي لوقا (٢٠/ ٤٥-٤٧)؛ في هذا النصّ، يتوجّه يسوع إلى الجموع وتلاميذه، مبرزًا أمامهم رياء الفرّيسيّين والكتبة وعدم صدقهم، الجالسين على كرسيّ موسى، من خلال تصرّفاتهم الشخصيّة والاجتماعيّة، وداعيًا إيّاهم، بالمقابل، إلى الصّدق والنزاهة في تصرّفاتهم أمام الله، ومع الآخرين.
الرّياء في أعمالهم
يحزمون أحمالاً ثقيلة، ويضعونها على أكتاف الناس، لا على أكتافهم.
يعملون الأعمال التالية، لكي يراهم الناس، تعريض عصائبهم، تطويل أطراف ثيابهم.
يحبّون مقاعد الشرف في الولائم، وصدور المجالس في المجامع، والتحيّات في الأسواق.
ويحبّون أيضاً أن يدعوهم الناس "رابّي".
الصدق في أعمالكم.
احفظوا كلّ ما يقولونه لكم واعملوا به
لا تقبلوا أن يدعوكم أحد "رابّي"، أو "مدبِّرين"، لأنّ معلّمكم ومدبّركم واحد، وهو المسيح.
لا تدْعوا لكم على الأرض أبًا، لأنَّ أباكم واحد، وهو الآب السماويّ.
وأنتم جميعكم إخوة؛ وليكن الأعظم بينكم خادمًا لكم؛ لأنّ مَن يرفع نفسه يواضَعْ، ومَن يواضعْ نفسه يُرفع؛ وإذا كان لا بدّ من وجود "الأعظم" (المسؤول قانونيًّا في الجماعة)، فعلى هذا "الأعظم" أن يكون خادمًا بتواضع؛ وبقدر ما يصير هكذا، يرفع ويصير "الأعظم" فعلاً.
كلام يسوع، في هذا الفصل من إنجيل متّى، صدى لما لقيه من الكتبة والفرّيسيّين، لما عاناه من صدمات معهم؛ وهو، في صيغته الحاليّة، صدى الصراع الذي كان قائمًا، أيّام متّى، بين كنيسته والمجمع اليهوديّ، بعد دمار أورشليم سنة ٧٠، حيث يحمّل متّى الفرّيسيّين تبعة مقتل يسوع؛ ينطوي هذا الكلام على وصف للكتبة والفرّيسيّين (١-١٢)، وعلى شكوى منهم (١٣-٣٣)، وعلى حكم على كلّ مخاصمي يسوع (٣٤-٣٦).
شرح عبارات وكلمات
كرسيّ موسى (٢)
يقّر يسوع بما للفرّيسيّين والكتبة من سلطة دينيّة.
أحمال ثقيلة (٤)
هي تفاسيرهم الضيّقة للتّوراة، التي لا تطاق، ولا يعمل بها (١٥/١-٢٠؛ ١٦/٦؛ ١٩ /٣-٩).
عصائب، أطراف ثياب (٥)
تعاويذ جلديّة تكتب عليها آياتٌ من التوراة، وتعصّب بها الأذرع والجباه، على ما جاء في توراة موسى (خر ١٣/١-١٦؛ تث ٦/٤-٩؛ ١١/١٣-٢١)؛ أهداب ثيابهم تذكّر بوصايا الله (عد ١٥ /٣٨-٣٩؛ تث ٢٢/١٢)، أطالها الفرّيسيّون برياء، لكي يظهروا للنّاس أنّهم يحفظون وصايا الربّ.
د- "رابّي" (٧)
أي معلّمي، وهو لقب قانونيّ للمعلِّمين اليهود؛ أطلقه التلاميذ على يسوع نفسه (٢٦/ ٢٥-٤٩).
الآيات (٨-١٢)
يحذّر يسوع تلاميذه من طلب السّلطة عجبًا بالنفس وكبرياء؛ السلطة، كما يراها يسوع، خدمة وبذل، وهو المثال؛ هذا المقطع موجّه إلى التلاميذ دون سواهم، قد لا يكون هنا، في موضعه الأصليّ.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
يندرج الفصل ٢٣ من إنجيل متّى في جوّ القطيعة بين يسوع والفرّيسيّين؛ لذلك، نفهم العنف في كلام يسوع، لأنّه كان يرى، في هذه الفئة، أخطر شرّ يمكن أن تصطدم به الجماعات المسيحيّة في نشأتها؛ خطورة هذا الشرّ هي في معارضته لروح الملكوت، وفي غلق كلّ باب بوجه مجيئه وانتشاره.
تجسّد هذا الشرّ في الرِّياء الذي هو تعارض بين ما نقول وبين ما نفعل (٣-٤)؛ وتعارض بين الشخص في حقيقته وبين الشخص في مظاهره (٥-٧)؛ فجاء كلام يسوع القاسي صرخة الحبّ عندما لا يستطيع أن يفعل شيئاً؛ وجاء في خطّ أقوال الأنبياء ضدّ الشعب الذي نقض عهد ربّه، ونسي أنّ يوم الربّ آتٍ؛ وجّه يسوع كلامه إلى الجموع والتلاميذ، لكي يكونوا شاهدين على هؤلاء من جهّة، وعلى أنفسهم، فيحكموا عليها من جهّة ثانية.
الأب توما مهنّا