الخميس الخامس من زمن القيامة «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى 16: 11-20)
11 كيفَ لا تُدرِكونَ أَنِّي لم أكن أعني الخُبْزَ بِما قُلتُهُ لَكُم؟ فَاحذَروا خَميرَ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقِّيين.
12 حينئذٍ فَهِموا أَنَّه لم يقُل ذَلكَ لِيُحذِّرَهُم مِن خَميرِ الخُبز، بل مِن تَعليمِ الفِرِّيسيِّينَ والصَّدُّوقيِّين.
13 وجاءَ يسوعُ إِلى نواحي قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس، فسأَلَ تَلاميذَه قائلًا: "مَن يَقولُ الناسُ إنّي أنا ابنُ الإِنسان؟".
14 فقالوا: "بَعْضُهم يقولون: يوحَنَّا المَعمَدان؛ وآخَرون: إِيليَّا؛ وغيرُهم: إِرْمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء".
15 قالَ لَهم: "وأَنتُم مَن تقولونَ إنّي أنا؟".
16 فأَجابَ سِمعانُ بُطرس وقال: "أَنتَ هو المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ!".
17 فأَجابَ يسوعُ وقالَ لهُ: "طوبى لَكَ يا سِمعانُ بْنَ يُونا! لأنّهُ لا لَحمَ ولا دَمَ أظهرَ لكَ ذلكَ، بل أَبي الَّذي في السَّمَاوات.
18 وأَنا أيضًا أَقولُ لكَ: أَنتَ هو بُطرُسُ، أي الصَخرَة، وعلى هذه الصَّخرة سَأَبني بيعتي، وأبواب الجَحيمِ لَن تَقوى عليها.
19 وسأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَاوات، فكُلُّ ما تَربِطُهُ على الأَرضِ يكونُ مربوطًا في السَّمَاوات، وما تَحُلُّه على الأَرضِ يكونُ مَحلولًا في السَّمَاوات".
20 حينئذٍ أَوصى تَلاميذَهُ أَلاَّ يَقولوا لأَحَدٍ إنَّهُ هو المسيح.
أوّلًا قراءتي للنصّ
في الآيتين (11-12)، يسوع يحذّر تلاميذه من خمير الفرّيسيّين والصدّوقيّين، أي من تعليمهم المفسد للتوراة، والمضرّ بالتالي، في علاقة الله مع شعبه وباقي الناس.
في سبيل علاقة شخصيّة بينه وبين الناس، طرح يسوع السؤال التالي على تلاميذه: "َمن يقول الناس إنّي أنا ابن الإنسان؟" فأجابوه، يقول بعضُ الناس إنّك يوحنّا المعمدان، وآخرون إنّك إيليّا، وغيرهم إنّك إرميا أو أحد الأنبياء؛ لا يصيب أيٌّ من هذه الأجوبة الحقيقة، لم يكتشف أيٌّ من الناس يسوعَ في ذاته، في جديده، يعرفونه مغطًّى بما يعرفونه عن كبارٍ عندهم!
وفي سبيل علاقة شخصيّة مع تلاميذه، طرح يسوع السؤال التالي:"وأنتم مَن تقولون إنّي أنا؟" أجاب بطرس: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ" (16)؛ إيمان بطرس هو إيمان التلاميذ وإيمان الكنيسة: يسوع هو المسيح الملك في علاقة ببيت داود ونسل إبراهيم، وهو أيضًا ابن الله لأنّه في علاقة بنوّة فريدة بالله، ولهذا فإنّ رسالته تشمل الشعوب كلّها.
امتدح يسوع سمعان، كما جاء هنا في متّى، قائلًا: طوبى لك، لأنّ الذي أظهر لك ذلك، ليس الإنسان وما في الإنسان، والمعبَّر عنه بلفظتَي "لحم" و"دم"، بل هو الله بالذات، أبي الذي في السماوات؛ لذلك، أنت هو بطرس أي الصخرة، الأساس الذي عليه أبني بيعتي (كنيستي)، التي لن تقوى عليها قِوى الشرّ في العالم (أبواب الجحيم)، وسوف أعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، سلطان الربط والحلّ، وللرسل أيضًا، وللكنيسة (18: 18)، حتّى أنّ كلّ ما يقرّر في الكنيسة يكون له القبول نفسه على الأرض وفي السماء.
ثانيًا: "قراءة رعائيّة"
سأل يسوع، فتبيّن له أنّ التلاميذ سمعوا آراء الناس فيه؛ فسألهم عن موقفهم منه، فأعلن بطرس، باسم التلاميذ، إيمانه برسالة يسوع الإلهيّة؛ في قلب هذا النصّ المكرَّس لجماعة المؤمنين، أقيم بطرس كأساس لهذه الجماعة التي تتبع يسوع وتعلن الملكوت.
شرح آيات وكلمات
أنا ابن الإنسان (13): يسوع إنسان مثل سائر الناس في خطّ (حز 2: 1، 3)؛ وهو أيضًا ذاك الآتي على حساب السماء في خطّ (دا 7: 13)؛ يأتي في اليوم الأخير ليدين الخطأة ويخلّص الأبرار؛ اجتمع هذا اللَّقب مع لقب عَبد يَهوَه، فضمّ المجد إلى الصليب؛ هذا ما لم يستطع اليهود أن يفهموه، هم الذين انتظروا مسيحًا ممجَّدًا.
الآية (14)
أجمَعَ الإزائيّون (مر6: 14-15؛ لو 9: 7-8) على ذكر يوحنّا ( الذي لم يكن ذكره قد غاب عن قلوبهم)، وإيليّا (الذي كان العالم اليهوديّ ينتظر مجيئه)، أو أحد الأنبياء؛ وتفرّد متّى بذكر إرميا، مع أنّ اليهود لم يعتبروا أنّه سيعود كسابق للمسيح.
وأنتم مَن تقولون إنّي أنا (15)
لا شكّ في أنّ يسوع جاء في خطّ الأُمناء، ولكن، ما يطلبه يسوع يفوق ما يطلبه الأنبياء: يطلب تعلّقًا بشخصه، لا بتعليمه فقط.
أنت هو المسيح (16)
هو الإنسان الذي اختاره الله ومسحه وأرسله (الملك يمسح بالزيت)؛ في العهد الجديد، أخذت لفظة "المسيح" معنَى إلهيًّا: يسوع هو المسيح، هو ابن الله.
ابن الله (16)
أعطيت هذه التسمية للملائكة، للشعب المختار، لبني إسرائيل الأمناء، للمسيح المنتظر (2 صم 7: 14؛ مز 2: 7؛ 89: 27)، ودلّت على علاقة خاصّة مبنيّة على اختيار الله من أجل مهمّة يكلِّف بها أبناءه؛ انطلقت المسيحيّة من هذه المعطيات، فشدّدت على الطابع الفريد والحاسم في شخص يسوع: هو في علاقة بنويّة لا تماثلها علاقة مع الله. (متّى 1: 21؛ 2: 15؛ 3: 17؛ 4: 3؛ 11: 25-26؛ 26: 63).
الحيّ (16)
لفظة تعود إلى الله، كما تعود إلى المسيح ابن الله.
بيعتي، كنيستي (18)
هي جماعة المؤمنين التي بناها يسوع وجعل بطرس قاعدتها؛ هذا الإعلان يفسّر الدور السامي الذي لعبه بطرس في الأيّام الأولى للكنيسة (4: 18؛ 17: 1؛ رسل 1: 13، 15؛ 3: 1؛ 10: 5، يو 6: 67-69؛ 21: 15-23؛ غل 2: 7).
أبواب الجحيم (18)
أي قوّة الموت لم يعد لها أن تسيطر على أعضاء الجماعة المسيحيّة، الذين، وإن ماتوا، فلن تحتفظ بهم، بل يقومون مع المسيح.
سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات (19)
أعطى يسوع بطرس سلطان الحلّ والربط، كما للرسل (18: 18)؛ يعني هذان الفعلان، مَنَعَ وسَمَحَ، أي أبعَدَ من الجماعة، وأدخَلَ إليها.
أوصاهم ألّا يقولوا لأحد (20)
أوصاهم بحفظ هذا السرّ، بأن لا يعلنوا مسيحانيّته للناس لئلّا يُخطئوا مرماها؛ كما يجب على الذين يعترفون بها أن يستعدّوا لأن يتألّموا معه منذ ذلك الوقت.
الأب توما مهنّا