الجمعة الخامسة من زمن العنصرة «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى 10 /34 ـ 39)
34 قال الربّ يسوع: "لا تظنّوا أنِّي جئت لألقي على الأرض سلامًا، ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا.
35 جئت لأفرّق بين الرّجل وأبيه، والبنت وأمّها، والكنّة وحماتها.
36 وأعداء الإنسان أهل بيته.
37 من أحبّ أبًا أو أمًّا أكثر منّي فلا يستحقّني. ومن أحبّ إبنًا أو إبنةً أكثر منّي فلا يستحقّني.
38 ومن لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقّني.
39 من وجد نفسه يفقدها، ومن فقد نفسه من أجلي يجدها".
أولاً قراءتي للنصّ
أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا النهار، في "الترجمة اللّتورجيّة"، عنوانان، الأوّل "السَّيف لا السلاّم" (34ـ 36)، وله نصّ موازٍ في لوقا (12/ 51 ـ53) ؛ والثاني "أولويّة المحبّة ليسوع" (37ـ 39)، وله نصّ موازٍ في مرقس (8 /34ـ35)، وآخر في لوقا (14 /26ـ27 ؛ 9 /23ـ24) ؛ واعطي للآية (34)، ولباقي النصّ، في "الترجمة اللّتورجيّة" عينها، الشرح التالي.
ليس المقصود بكلمة "سيف" هنا، سيف الخصومة والعداوة المسلّط على الآخرين، بل سيف الانتصار على الذات وتهذيبها، وحملها على اتّباع يسوع، والمضيّ في رسالته، ولو كلّف الأمر الإنفصال عن أحبّ الأشخاص إلينا، كما تشرح الآيات التالية (37ـ 39).
لقد جاء السيّد المسيح ودعانا، ولا يزال يدعو كلاّ منّا، وكلّ إنسان، إلى الإيمان به، وإلى اتّباعه والعمل بإرادته؛ فعلى كلّ منّا، كما على كلّ إنسان، أن يأخذ هذه الدعوة بالإعتبار، وإلاّ تعرّض للدَّينونة؛ وإذا ما اتّخذ أحدنا القرار بتلبية هذه الدعوة الإلهيّة، وجب عليه ساعتئذٍ أن يعبّر عن قراره هذا بأربعة.
أ ـ " بالسيف"، أي بمقاومة أعداء هذه الدّعوة، فيه بالذات، لأنّ أعداء الإنسان هم أهل بيته.
ب ـ ويجعل يسوع الأحبّ إليه، مفضّلاً إيّاه على الأب والأمّ، على الإبن والإبنة.
ج ـ وبحمل الصّليب اليوميّ، واتباعه بصبر ورضىً.
د ـ وأخيرًا، بفقد ذاته كلّيًا، أي بالتنازل عنها له ولأجله، بصدق وثبات.
هذه التعابير الأربعة لتلبية دعوة الرّبّ، هي متداخلة ومتكاملة وكافية، كلّ منها، في مجالها.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
الآيات (34ـ 36)
يرفض يسوع، في هذا القسم الأخير من خطبة الرسالة (الفصل العاشر من متّى) قول الذين ظنّوا أنّه جاء يحمل "السلام" والطمأنينة على الأرض؛ جاء يحمل إلى أحبّائه "السيف" (أي الموت)، جاء لا ليجمع ـــ فيكون الناس كخراف يقودها إلى المذبح راعٍ واحد ــ بل ليفرّق.
جاء يطلب أن نفضّله حتّى على الوالدين، فيصير بسببه، أهل البيت أعداء، لا أصدقاء، كما كان وضع المؤمنين الجُدُد، عندما تركوا ديانة آبائهم والتزموا بإنجيل المسيح؛ جاء يعلّمنا أنّ طلب الملكوت يفرض خيارًا جذريًّا يوجّه حياة المؤمن، فلا يعود يرى النجاح، كما يرى كثيرون، في الغنى والنفوذ والسّلطة، بل يراه في اتّباع المسيح حتّى الموت.
الآيات (37 ـ 39)
تركّز هذه الآيات على ما يطلب يسوع من التلميذ الذي يتبعه، أن تكون العلاقة القائمة بينهما قويّة وفريدة إلى حدّ أنّها تجعله مستعدًّا، إذا ما دعت الحاجة، إلى إلغاء علاقته مع الوالدين ومع الأولاد، لأنّ يسوع "غيور"، كما كان الله مع شعبه (خر 20/ 5 ؛ 34/ 14)، وحتّى إلى خسارة كلّ شيء (حياته بالذات)، من أجل الحفاظ عليها وتوطيدها؛ عند ذلك، يربح هذا التلميذ كلّ شيء.
الأب توما مهنّا