الثلاثاء الحادي عشر من زمن العنصرة «الإنجيل
إنجيل اليوم ( لو ١٢ /٢٢ -٣١)
٢٢ قالَ يَسوعُ لتلاميذه: "لهذا اقولُ لكم: لا تهتمّوا لنفسكم بما تأكلون، ولا لجسدكم بما تلبسون.
٢٣ فالنّفس أهمّ من الطّعام، والجسد أهمّ من اللِّباس.
٢٤ تأمّلوا الغربان، فهي لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخازن وأهراء، واللّه يقوتها. فكم أنتم بالحريّ أفضل من الطيّور؟
٢٥ ومن منكم، إذا اهتّم، يستطيع أن يُطيل عمره مقدار ذراع؟
٢٦ فإنْ كنتم لا تستطيعون القليل، فلماذا تهتمّون بالباقي؟
٢٧ تأمّلوا الزّنابق كيف تنمو، وهي لا تغزل ولا تنسج، وأقول لكم: إنّ سُليمان نفسه، في كلّ مجده، لم يلبسْ كواحدةٍ منها.
٢٨ فإن كان العشب الّذي يوجد اليوم في الحقل، وغدًا يطرح في التّنّور، يلبسه اللّه هكذا، فكم بالأحرى أنتم، يا قليلي الإيمان؟
٢٩ فأنتم إذًا، لا تطلبوا ما تأكلون، وما تشربون، ولا تقلقوا،
٣٠ فهذا كلّه يسعى إليه الوثنيّون في هذا العالم، وأبوكم يعلم أنّكم تحتاجون إليه.
٣١ بل اطلبوا ملكوت اللّه، وهذا كلّه يزاد لكم".
أوّلًا قراءتي للنصّ
أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، العنوان التالي "العناية الإلهيّة"؛ له نصّ موازٍ في متّى (٦/ ٢٥-٣٣).
يقول الربّ لتلاميذه: "لاتهتمّوا لنفسكم بما تأكلون، ولا لجسدكم بما تلبسون"، أي لا تنهمكوا في ما يلبيّ حاجة النفس من الطعام، وحاجة الجسد من اللّباس، لأنّ اللّه الذي يوفّر الطعام للغربان ويُقيتُها، وهي لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخازن وأهراء، ويوفّر اللّباس للزّنابق ويلبسها، وهي لا تغزل ولا تنسج، وذلك، بعنايته الإلهيّة، المتجليّة في نظام هذا الكون، وبخضوع هذه الكائنات وأمثالها لهذه العناية - النظام، هو يفضّلكم عليها جميعًا بما لا يُقاس، ويعلم حاجاتكم حقّ العلم، ويريد أن يتوفّر لكم الأفضل لتلبية هذه الحاجات وسدّها، وذلك بعنايته الإلهيّة، وبمقدار وعيكم لهذا الواقع الطبيعيّ الراهن، وإيمانكم بهذه العناية، وتصرّفكم بموجب ذلك الواقع وهذا الإيمان.
ويطلب الربّ من تلاميذه ألاّ يكونوا، في هذا المجال بالذات، كالوثنيّين الّذين يهتمّون بالطعام وباللّباس، أي بحاجة النفس والجسد، دون الاهتمام بالنفس ذاتها وبالجسد ذاته، فيتّكلون على أعمالهم ومساعيهم (الزراعة والحصاد وبناء المخازن والأهراء وما شابه، الغزل والنسج وما شابه) لتوفير ما يسدّ هذه الحاجات؛ ويؤكّد لهم، بأنّهم لفاشلون، حتّى في هذا المجال، مجال الحياة الزمنيّة بالذات، لأنّ أعمالهم، وبالتالي أعمالنا، وأعمال الإنسان، مهما كانت، تبقى قاصرة عن توفير ما يسدّ كلّ حاجات الإنسان هذه: "مَن منكم، يقول الربّ، إذا اهتمّ، يستطيع أن يطيل عمره مقدار ذراع؟ فإن كنتم لا تستطيعون القليل، فلماذا تهتمّون بالباقي" (٢٥-٢٦)؛ لم يتمكّن الإنسان، حتّى اليوم، ولن يتمكنّ، من تحقيق ملكوت أرضيّ حلم به كثيرون وصمّموا له، وتاقوا إليه...، ولكنّه بقي سرابًا!
ويطلب الربّ من تلاميذه أخيرًا، أن يتميّزوا عن الوثنيّين، فيهتمّوا بالنفس التي هي أهمّ من الطعام، وبالجسد الذي هو أهمّ من اللّباس! فالنفس والجسد، هما في حاجة كيانيّة ومصيريّة إلى ملكوت اللّه؛ لذلك، يختم الربّ كلامه لتلاميذه قائلًا: "فأنتم إذًا، لا تطلبوا ما تأكلون، وما تشربون، ولا تقلقوا ( ٢٩)...، بل اطلبوا ملكوت اللّه، وهذا كلّه يزاد لكم (٣١)؛ إذًا، يتميّز تلميذ المسيح، والمؤمن الحقيقيّ به، بإعطائه الأولويّة للملكوت في هذه الحياة الزمنيّة؛ حينئذٍ، تتوفّر له، بالتأكيد، حاجته الزمنيّة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
الآية (٢٢)
لا تهتمّوا؟ يدعو يسوع التلميذ إلى ألاّ يهتمّ لطعام أو لباس، بل إلى أن يطلب ما هو جوهريّ، أن يطلب ملكوت اللّه وبّره؛ لا يعني ذلك أنّه يدعوه إلى الكسل أو إلى التفاؤل الساذج، بل إلى التخلّي عن القلق الذي ينسي الإنسان أنّ حياته هي في يد اللّه الآب.
شرح عبارات وكلمات
الغربان ( ٢٤)
طيور شؤم؛ ومع ذلك، فاللّه يهتمّ بها، ويرزقها طعامها؛ أتراه لا يهتمّ بأبنائه؟
اطلبوا ملكوت اللّه ( ٣١)
اطلبوا أوّلًا الملكوت بخيره الروحيّ، قبل خيرات هذا العالم.
الأب توما مهنّا