الثلاثاء الثاني بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى 11/ 20-24)
20 حينئذٍ شرع يسوع يبكّت المدن الّتي جرت فيها أكثر أعماله القديرة، لأنّها ما تابت، فقال:
21 "الويل لك، يا كورزين! الويل لك، يا بيت صيدا! لأنّه لو جرى في صور وصيدا ما جرى فيكما من أعمالٍ قديرة، لتابتا من زمانٍ وجلستا في المسح والرماد!
22 ولكنّي أقول لكم: إنّ صور وصيدا سيكون مصيرهما، في يوم الدّين، أخفّ وطأةً من مصيركما!
23 وأنت يا كفرناحوم، ألن ترتفعي إلى السّماء؟ فإلى الجحيم ستهبطين! لأنّه لو جرى في سدوم ما جرى فيك من أعمالٍ قديرة، لبقيت إلى اليوم!
24 لكنّي أقول لكم: إنّ أرض سدوم، سيكون مصيرها، في يوم يوم الدّين، أخفّ وطأةً من مصيرك!".
أوّلًا قراءتي للنًّصّ
أعطي لهذا النصّ، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، العنوان التالي: "الويل لمدن الجليل"؛ لهذا النصّ موازٍ في لوقا (10/ 12-15)، وللآية (24) آية موازية في متّى ذاته (10/ 15).
لقد بشّر يسوع في مدن الجليل، وبخاصّة في كورزين وبيت صيدا، وكفرناحوم، وأجرى في هذه المدن الكثير من "أعماله القديرة"؛ وتردّد إلى هذه المدن، وبخاصّة كفرناحوم، وعاش فيها، مشاطرًا سكّانها الأفراح والأحزان، وداعيًا إيّاهم إلى الإيمان والتوبة والأعمال الصالحة؛ وها هو، في هذا النصّ، يبكّتهم ويهدّدهم بدينونة قاسية، لأنّهم لم يتجاوبوا معه، ولم يتوبوا.
ينذر يسوع هذه المدن المتقدّمة والغنيّة، وبخاصّة مدينة كفرناحوم، المرتفعة بازدهارها إلى السماء، "بالويل"، بالهلاك، بالهبوط إلى الجحيم؛ ينذر كورزين وبيت صيدا بمصير أشدّ وطأة من مصير سدوم؛ لأنّه لو جرى في هذه المدن القديمة والخاطئة، من "أعمال قديرة"، ما جرى في مدن الجليل المذكورة، لتابت بالمسح والرماد، ولما خربت، بل لَبقيت إلى اليوم.
قد يكون إنذار الرّبّ هذا متوجّهًا اليوم، إلى مدننا المسيحيّة العامرة، وإلينا نحن الذين نقف أمام "أعماله القديرة" والعجيبة في حياة الكنيسة طوال أكثر من ألفي سنة من تاريخها، في حياة قدّيسيها، شهدائها، في غنى تراثها الحضاريّ، وفي فاعليّة حضورها في العالم، ولا نتنبّه إلى ذلك، ولا نتجاوب، إيمانًا وتوبةً واستقامةً، بالكفاية معه؛ ما قد يجعل مصير مدننا، ومصيرنا بالذات، أشدّ وطأة من مصير مدن العهد القديم الخاطئة، وأيضًا من مدن الجليل المذكورة، لأنّ هذه وتلك لم يتوفّر لها من "علامات الملكوت" ما هو متوفّر لنا.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
رفض الكثيرون تعليم يسوع المتطّلب، مختبئين وراء أعذار واهية، وغير مدركين، بحكمتهم البشريّة، "علامات الملكوت"، "وأعماله القديرة"؛ أدرك هذه "الصغار"، فانضمّوا إلى العالم الجديد، واستعدّوا للسير وراء يسوع في تحقيقه لمشيئة الآب؛ يؤنّب يسوع، هنا، مدن الجليل، لأنّها ما تابت بالرغم ممّا عمل يسوع فيها من أعمال قديرة، ومن معجزات؛ أعمال التوبة هي الأعمال المتجاوبة مع أعمال القدرة التي أجراها ويجريها يسوع.
نشير إلى أنّ الكلام عن توبة المدينة، يعني توبة أهل المدينة؛ من خلال هذا الكلام، يبدو متّى الإنجيليّ، وكأنّه "يبكّت" و"يقرّع" أيضًا، الجماعات المسيحيّة المتهوّدة في هذه المدن؟
شرح عبارات وكلمات
الويل (21)
هو غير اللّعنة؛ هو التأسّف والتألّم والبكاء.
المسح والرماد (21)
تعبير عن الاعتراف بالخطيئة.
كفرناحوم (23)
هي "مدينة يسوع"، فيها أقام؛ نالت كفرناحوم إكرامًا كبيرًا بسبب معجزات يسوع فيها؛ ولكنّها ستهبط إلى عالم الموتى في يوم الحساب؛ أترى كانت هذه المدينة قد دمّرت يوم دوّن متّى الإنجيليّ هذا الكلام؟.
الأب توما مهنّا