الإثنين الثامن من زمن العنصرة «الإنجيل
إنجيل اليوم (لوقا 11/ 1-4)
كَانَ يَسُوعُ يُصَلِّي في أَحَدِ ٱلأَمَاكِن. وَلَمَّا ٱنْتَهَى قَالَ لَهُ أَحَدُ تَلامِيذِهِ: يا رَبّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّي، كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا تَلامِيذَهُ.
فَقَالَ لَهُم: عِنْدَمَا تُصَلُّون، قُولُوا: أَيُّهَا ٱلآب، لِيُقَدَّسِ ٱسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.
أَعْطِنَا خُبْزَنا كَفافَنَا كُلَّ يَوْم. وَٱغْفِرْ لَنَا خَطايَانَا، فَنَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مُذْنِبٍ إِلَيْنا. وَلا تُدْخِلْنَا في التَّجْرِبَة.
أولًا قراءتي للنصّ
كان يسوع يصلّي دومًا، وكان ينحاز عن تلاميذه إلى مكان منفرد، لكي يصلّي، ويدخل في حديث حميم مع الله الآب، ونرى هنا، بأن انفراده هذا المتواتر للصلاة قد حمل تلاميذه أو أحدهم، على أن يسأله:" يا ربّ، علّمنا أن نصلّي"، ولا شكّ في أنّه كان، بانتظار مثل هذا السؤال، لكي يعلّمهم صلاة "الأبانا"، التي هي صلاته المفضّلة، وصارت، منذ ذلك الحين، صلاتنا الربيّة.
صلاة "الأبانا" مشتركة بين لوقا ومتى، أخذهما كلاهما عن تقليد كنسيّ محلّي عريق، تتضمّن هذه الصلاة، في لوقا، خمس طلبات: أيّها الآب، ليقدّس اسمك(1) ، ليأتِ ملكوتك(2)، أعطنا خبزنا كفافنا كلّ يوم(3)، واغفر لنا خطايانا، فنحن أيضًا نغفر لكلّ مذنب إلينا(4)، ولا تدخلنا في التجربة(5)، وتتضمن هذه الصلاة الربيّة (في متّى 6 /9-15)، سبع طلبات: أبانا الذي في السماوات، ليقدّس اسمك(1) ، ليأتِ ملكوتك(2)، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض(3)، أعطنا خبزنا كفاف يومنا (4)، واغفر لنا ذنوبنا كما غفرنا نحن أيضًا للمذنبين إلينا(5)، ولا تدخلنا في التجربة(6)، بل نجّنا من الشرير(7).
نلاحظ بأننا نطلب من الله، في النصف الأولّ من هذه الصلاة، تحقيق ملكوته، وفي نصفها الثاني، ما نحتاج إليه جسديًا وروحيًا، لكي نسهم في تحقيق ذلك الملكوت.
هنا، كان يسوع يصلّي في أحد الأماكن، فجاءت صلاته قدوة صلاة لتلاميذه، وبالتالي لنا نحن أبناء الكنيسة، إذ سأله أحد تلاميذه: "يا ربّ، علّمنا أن نصلّي"، فلبّى يسوع هذا السؤال رأسًا، وعلّمهم الصلاة التي نسّميها "الصلاة االربيّة". تبدأ الصلاة بالمناداة: "أيّها الآب"، وتتبعها طلبات خمس هي التالية.
"أيّها الآب"
بهذه البساطة يخاطب يسوع الآب السماوي، ويعلّمنا أن نخاطبه بها (راجع 10/21، 22/42، 23/34، 46)؛ في بعض المخطوطات ، نقرا:" أبانا، أو أبانا الذي في السماوات".
ليقدّس اسمك (1)
الفعل بصيغة المجهول، والله هو الفاعل، الذي يقدّس، تعني هذه الطلبة، لا أن تزداد قداسة الله التامة في ذاتها، بل أن يعرف الناس قداسة الله ويمجّدوه، على ما يسأل يسوع أباه (يو 12/28).
ليأتِ ملكوتك (2)
هو الملكوت الذي حلّ بيننا بمجيء يسوع (4/21)، والذي نادى به يسوع، ثم نادى به رسله وتلاميذه (4/43، 8/1؛9/2؛10/9،11،17؛ 11/20)؛ وهو الملكوت الحاصل بقضاء يسوع على سلطان الشيطان وملكوته، بموته وقيامته، وهو الملكوت الذي سيأتي كاملًا يوم يقرّ جميع البشر بقداسة الله وبسلطانه المطلق على الكون.
أعطنا خبزنا كفافنا كلّ يوم (3)
يطلب لوقا الخبز لكلّ يوم، ناظرًا إلى الحياة المسيحية بكلّيتها (راجع 9/23)، حيث يدعو يسوع المؤمن إلى حمل صليبه كلّ يوم؛ ويطلب متّى الخبز لليوم الحاضر، مع نعت للخبز بمعنى قريب المنال، بمعنى الضروري للعيش، بنظر بعض الشرّاح، أو الجوهريّ، بنظر بعض آباء الكنيسة الأقدمين.
واغفر لنا خطايانا، فنحن نغفر لكلّ مذنب إلينا(4)
حرفيًا "ديوننا" كانت الديون الماليّة تجعل من المدين عبدًا لدائنه، إذا لم يَفِها،(راجع متى 18/23-35) ، واستعملت الديون للتعبير عن الخطايا أو الذنوب، وإنّها ديون الله على الخاطىء (لو 13/2،4)، ويعفو الله عن المدين، عن الخاطىء، شرط لأن يعفو أو يغفر هو لمن أخطأ إليه (متى 5/7؛ 6/14-15؛18/23-35؛ مر 11/25)؛ إذن، ليس غفراننا سببًا لغفران الله، ومقياسًا له، بل غفراننا شرط ضروري لغفران الله.
ولا تدخلنا في التجربة(5)
أي لا تدعنا ندخل، لا تسمح أن ندخل...(راجع مر 14/38؛ مز 141/4؛ 1 قور 10/13)؛ امتحن اللّه إبراهيم ( تك 22/1...)، لاختبار إيمانه؛ وامتحن اللّه شعبه (خر 15/25...)، لاختبار طاعته؛ ويمتحن الشيطان الإنسان لإغرائه وإيقاعه في الخطيئة، كما امتحن آدم وحوّاء، وآخرين (1 قور 7/5؛...)؛ اللّه لا يمتحن الإنسان امتحان الشيطان ( يع 1/13)، إنّما قد يمتحن اللّه الإنسان بتعريضه لامتحان الشيطان، كما فعل الروح، إذ سار بيسوع إلى البريّة ليجرّب (متّى 4/1)؛ ونطلب من اللّه، في الصلاة الربيّة، ألاّ يمتحنا هذا الامتحان، أي ألاّ يعرّضنا لطغيان الشيطان، لأنّنا سريعو العطب.
ونضيف، في هذا المجال، الطلبتين الإضافيتين في متّى مع شرحهما.
لتكن مشيئتك (متّى 6/10)
تلك كانت صلاة يسوع في جتسماني ( متّى 26/42؛ لو 22/42)، وهي لا تعني مجرّد التسليم لمشيئة اللّه، بل الطلب منه أن يحقّق مشيئته كاملة؛ وتحقيق اللّه مشيئته لا يلغي حرّيّة الإنسان، لأنّه يتمّ، في نهاية الزمان، بإجماع الإرادات البشريّة على العمل بإرادة اللّه (إر 31/31-33؛ مز 36/27)، ويتمّ، في الزمن الحاضر، بحفظه وصايا اللّه (متّى 5/17-20؛ 6/33؛ 7/21، 24-27؛ 21/30).
كما في السماء كذلك على الأرض (متّى6/10).
نطلب من اللّه أن يحقّق على أرضنا ما هو محقَّق في السماء، حيث ليس ما يحول دون تحقيق مشيئة كلمته؛ بعضهم يرى ربط هذه العبارة بكلٍّ من الطلبات الثلاث السابقة كختامة لها، وليس بالطلبة التالية فقط.
ولكن نجِّنا من الشرّير(متّى6/13)
نطلب من اللّه أن ينجّينا من الشيطان نفسه، اذا ما أراد امتحاننا، فيمنعه عن القيام بأيّ امتحان.
ونتوقّف عند الكلمة والعبارة التالية.
الشرّير(متّى6/13)
ترد هذه الكلمة بمعنى الشيطان (متّى5/37؛ 13/19، 38؛ 2 تس 3/3؛ يو 17/15؛ 2 طيم 4/18)، وترد أيضاً بمعنى الشرّ (متّى 5/11؛ 6/23)؛ المعنى الأوّل هو الأرجح في نصّ متّى(6/13).
لأنّ لك الملك والقدرة والمجد إلى أبد الآبدين آمين: تضيف محطوظاتٌ قديمة عديدة هذه الجملة إلى الآية 13 من متّى 6 (انظر 1 أخ 29/11-13).
وجاء، حول صلاة يسوع، في لوقا (3/21) ما نصّه: "ولمّا اعتمد الشعب كلّه، واعتمد يسوع أيضًا، وكان يصلّي، انفتحت السماء"؛ وجاء الشرح التالي: بين اعتماد يسوع والعنصرة مواطن شبه: تجمّع شعب وصلاة وحلول الروح القدس بصورة حسّيّة؛ كلّ جماعة مسيحيّة جديدة عماد جديد وعنصرة جديدة، مدى تاريخ اللّه الخلاصيّ؛ ويضيف الشرح حول صلاة يسوع: هي ذورة لقائه اللّه الآب، الظهور الإلهيّ جواب السماء على صلاة يسوع.
وجاء، حول صلاة يسوع،(في لوقا 9/18)، ما نصّه: "وفيما كان يسوع يصلّي وحده، وكان تلاميذه معه، سألهم قائلاً: مَن تقول الجموع إنّي أنا؟"، وجاء الشرح كالتالي: كانت صلاة يسوع هذه باب إيمان للرُّسل والتلاميذ، ما يظهر الربط بين الصلاة والإيمان.
ثانيًا "قراءة رعائّية"
تنطلق الصلاة الربّيّة التي علّمها يسوع لتلاميذه من كونهم أبناء اللّه الآب وأخوة لبعضهم البعض؛ ونلحظ أنّ هذه الصلاة تصدر عن تقليدَين مختلفَين، تقليد متّى (سبع طلبات)، وتقليد لوقا (خمس طلبات)؛ أخذت الكنيسة بتقليد متّى في صلاتها العامّة؛ تتميّز الصلاة الربّيّة ببساطها وبالدالّة التي بها يتحدّث المؤمن إلى اللّه؛ تبدأ بذكر ملكوت اللّه، وتتواصل في طلباتنا اليوميّة؛ نصلّيها في صيغة الجمع (أبانا)، لأنّنا جماعة صلاة يحملون بعضهم نوايا بعض.
الأب توما مهنّا