الإثنين الثالث بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل
إنجيل اليوم (متّى 24/ 32- 44)
32 قال الرّبّ يسوع :"من التينة تعلّموا المثل: فحين تلين أغصانها، وتنبت أوراقها، تعلمون أنّ الصّيف قريب.
33 هكذا أنتم أيضًا، متى رأيتم هذا كلّه، فاعملوا أنّ ابن الإنسان قريبٌ، على الأبواب.
34 الحقّ أقول لكم: لن يزول هذا الجيل حتّى يحدث هذا كلّه.
35 السّماء والأرض تزولان، وكلامي لن يزول.
36 أمّا ذلك اليوم وتلك السّاعة فلا يعرفهما أحد، ولا ملائكة السّموات، إلاّ الآب وحده.
37 وكما كانت أيّام نوح، كذلك يكون مجيء ابن الإنسان.
38 فكما كان النّاس، في الأيّام التي سبقت الطّوفان، يأكلون ويشربون، يتزّوجون ويزوّجون، إلى يوم دخل نوحٌ السّفينة،
39 وما علموا بشيء حتّى جاء الطّوفان، وجرفهم أجمعين، كذلك يكون مجيء ابن الإنسان.
40 حينئذٍ يكون اثنان في الحقل؛ يؤخذ الواحد ويترك الآخر.
41 وامرأتان تطحنان على الرّحى؛ تؤخذ الواحدة وتترك الأخرى.
42 اسهروا إذًا، لأنّكم لا تعملون في أيّ يومٍ يجيء ربّكم.
43 واعلموا هذا: لو عرف ربّ البيت في أيّ ساعةٍ من الليل يأتي السّارق، لسهر ولم يدع بيته ينقب.
44 لذلك كونوا أنتم أيضًا مستعدّين، لأنّ ابن الإنسان يجيء في ساعةٍ لا تخالونها".
أوّلًا قراءتي للنّصّ
أُعطيَ لهذا النصّ، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، عنوانان، الأوّل "علامة مجيء ابن الإنسان" (32-35)؛ والثاني "الاستعداد لمجيء ابن الإنسان" (36-44)؛ نجد آيات موازية في مرقس (13/ 28-31، 32، 35)، وفي لوقا (21/ 29-33؛ 17/ 26-27، 34-35؛ 12/ 39-40)؛ هكذا نرانا، كلّما تقدّمنا في زمن الصليب، من اسبوع إلى آخر، محمولين إلى الدخول في أجواء ظهور الرّبّ ومجيئه الثاني بالمجد؛ الصليب هو البوّابة التي منها ندخل إلى عالم القيامة، العالم الجديد، الذي سوف يحلّ العالم القديم، عالم الموت، الذي هو عالمنا الحاضر.
الآيات ( 32- 35)
ينطلق الرّبّ من المعادلة التالية، كما العلاقة بين الصيف البعيد وعلامات مجيئه في أغصان التينة وأوراقها، هكذا العلامة بين مجيء الرّبّ الثاني، المجهول اليوم والساعة، وعلامات هذا المجيء، التي كشفها لنا الرّبّ؛ وكما ظهور العلامات، في ما يختص بأمور الطبيعة، يدلّ على حدوث الأمر الذي تشير إليه هذه العلامات، في زمن معيّن، وبالضرورة (حين تلين أغصان التينة، وتنبت أوراقها)، تعلمون أنّ الصيف قريب (بالضرورة)، هكذا ظهور علامات مجيء ابن الإنسان، يدّل على مجيئه القريب (على الأبواب)، وبالضرورة أيضًا؛ ولكن، ليس في زمن معيّن، وبضرورةٍ أقوى، بما لا يقاس، من الضرورة الطبيعيّة (السماء والأرض تزولان، وكلامي لا يزول).
الآية (36)
بعد أن أكّد يسوع لتلاميذه أنّ مجيئه الثاني سيتّم في حينه، يجيبهم هنا، على السؤال الذي طرحوه عليه بقولهم: "قل لنا متى يكون هذا؟"؛ فيعلن لهم يسوع أنّ تحديد الزمان محفوظ للآب وحده، لا أحد، حتّى الملائكة، يعرف ذلك اليوم، وتلك الساعة؛ وجوابه هذا يبقى نفسه بعد قيامته (رسل 1/ 7).
الآيات (37- 41)
تظهر هنا، إرادة يسوع في أن يكون لتلاميذه، ونحن معهم، تصوّرٌ ما عن الوضع الذي سوف يرى الناس أنفسهم فيه، حين يأتي ذلك اليوم وتلك الساعة؛ فلذلك أحالهم إلى أيّام نوح، التي هي الشبه السابق لذلك الوضع القادم، والتي كان الناس فيها يمارسون الحياة في مقتضياتها، قبل الطوفان، وإذ بهذا الطوفان يفاجئهم، يوم دخل نوح السفينة، وذهب بهم وأهلكهم؛ ثمّ قدّم لهم الرّبّ وصفًا آخر حسيًّا لذلك الوضع، بصورة اثنين في حقل، فيؤخذ أحدهما...، وبصورة امرأتين تطحنان، فتؤخذ إحداهما...، وذلك عنوةً ومن دون أسباب طبيعيّة.
الآيات ( 42- 44)
أمام جهل ذلك اليوم وتلك الساعة، وأمام خطورة المصير ونهائيّته، على التلاميذ أن يمكثوا مستعدّين، ساهرين، منتظرين بفرح الرجاء مجيء الرّبّ هذا المفاجئ؛ فالمسيح الذي لم يكشف لنا، في مجيئه الأوّل، كشفًا كاملاً عن ذات الله، لكي نختاره اختيارًا كاملاً ونهائيًا، ونستعيد هكذا كامل حرّيّتنا البشريّة، أبقى في صميم إيماننا توقًا، في حالة انتظار، إلى معرفة الله في ذاته؛ من هنا، من مثل هذا الإيمان الصادق، يجب أن تنطلق صلاتنا، وأن يبقى القلب في كلّ صلاة نقوم بها؛ قد يكون التعبير عن مثل هذه الصلاة هو في التالي: يا ربّ، اكشف لي أكثر عن ذاتك، فيتوطّد إيماني، وأطلعني أكثر على إرادتك، فأتقيّد بها في حياتي.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
الآية (34)
الجيل المشار إليه "بهذا"، هو جيل يسوع، لذلك صارت العبارة: "هذا كلّه" تلميحًا إلى دمار أورشليم وخراب الهيكل؛ أمّا إذا دلّت هذه العبارة إلى مجيء ابن الإنسان ونهاية العالم، فيقتضي إذّاك أن يتوسّع معنى "هذا الجيل"، فيدلّ على البشريّة كلّها؛ على كلٍّ، نحن نعيش، منذ مجيء المسيح الأوّل، حقبة جديدة، اعتبرها المسيحيّون الأوّلون قريبة، وأدرك المسيحيّون اللاّحقون بأنّ "القريب" في هذا المجال، طويل إلى حدّ الخروج عن التحديد.
الآية (36)
لا تتعارض هذه الآية مع الآية 34؛ ومع ذلك، نقول إنّنا، ربّما، أمام تقليدين، الأوّل يتحدّث عن "علامات" المجيء، والثاني يتحدّث عن "زمن" المجيء؛ وكأنّ هذا التقليد الأخير يقول لنا إنّه، إذا كان الابن نفسه لا يعرف هذا الزمن (متّى 11/ 27)، فلماذا نضيّع وقتنا في البحث عنه؟ إنّه سرّ الله الآب.
الآيات (37-42)
نحن هنا، أمام أمثال المجيء، التي تقول لنا بوجوب السهر، في انتظار الدينونة التي تتمّ معه، بطريقة مباشرة وسريعة؛ المثل الأوّل هو مع نوح: تجاهل معاصروه النداء، فكلّفهم تجاهلهم الدمار؛ إذًا، على المؤمنين، أيًّا كانوا، وأنّى كانوا، في الحقل، أم في المطحنة، أن يسهروا، وأن يكونوا على استعداد في الأمانة، لأنّ الدينونة ستفاجئهم.
الأب توما مهنّا