الأربعاء الرابع من زمن الصوم «الإنجيل
إنجيل اليوم (لو 7: 1-10)
1 بَعدَ أن أكمَلَ يَسوعُ كَلامَه كُلَّهُ على مَسامِعِ الشَّعْب، دَخَلَ كَفَرناحوم.
2 وكانَ لِقائِدِ مِئةٍ خادِمٌ بِهِ سوء، وقد أَشرَفَ على المَوت، وكانَ عَزيزًا علَيه.
3 وسَمِعَ بِيَسوع، فَأرسَلَ إِلَيه بعضَ شيوخِ اليَهود، يَسأَلُهُ أَن يَأَتِيَ ويُنقِذَ خادِمَهُ.
4 فَأقبَلُوا إِلى يسوع، وألحّوا يَتَوَسَّلُون إليهِ قائلين: "إِنَّهُ مُستَحِقُّ أَن تَصنَعَ لَهُ هذا،
5 لِأَنَّه يُحِبُّ أُمَّتَنا، وقد بَنى لَنا المَجمَع".
6 فمَضى يسوعُ معَهم. وما إِن صارَ غَيرَ بَعيدٍ مِنَ البَيت، حتَّى أَرسلَ إِلَيه قائدُ المِئَةِ بَعضَ أَصدِقائِه
يَقولُ له: "يا ربّ، لا تُزعِجْ نَفسَكَ، لِإِنِّي لَستُ أَهلاً أَن تَدخُلَ تَحتَ سَقْفي.
7 لِذلِكَ لم أَحسّب نَفسِي مُستَحِقًّا أَن آتيَ إِلَيك، لكِن قُلْ كَلِمَةً فيُشْفَى فَتَاي.
8 فإنِّي أَنا أيضًا رجُلٌ خاضِعٌ لِسُلطَان، ولي جُندٌ تَحتَ إِمرَتي، فأَقولُ لهذا:اِذهَبْ! فَيَذهَب، وَلِلآخَر: ائتِ!
فيَأتي، ولِخادِمي:اِفعَلْ هذا! فَيَفعَل".
9 ولَمَّا سَمِعَ يسوعُ أُعجِبَ بِه، والتَفَتَ إِلى الجَمعِ الَّذي يَتبَعُه فقال: "أَقولُ لَكم: لم أَجِدْ مِثلَ هذا الإيمانِ
حتَّى في إسرائيل".
10 وعَادَ المُرسَلون إِلى البَيت، فوَجَدوا الخادِمَ مُعَافًى.
أوّلًا قراءتي للنصّ
أعطي لنصّ إنجيل هذا اليوم العنوان التالي: "شفاء خادم قائد المئة"؛ له نصّ موازٍ في متّى (8: 5-13)، وآخر في يوحنّا (4: 46-54)؛ العنوان المعطى للنصّ الموازي، في متّى: "شفاء فتى قائد المئة"، وفي يوحنّا: موقف وثنيّ: يسوع والضابط الملكيّ".
يضع هذا النصّ القارئ في أجواء مسيحيّة بامتياز: قائد مئة وثنيّ، له خادم عزيز عليه، مصاب بمرض قد أشرف به على الموت؛ سمع هذا القائد بمجيء يسوع إلى المنطقة، حيث هو مقيم (كفرناحوم)، فأرسل بعض شيوخ اليهود، الذين له معهم علاقات طيّبة، لكي يتوسّلوا إلى يسوع، ويسألوه الشفاء للخادم؛ لبّى الشيوخ الطلب، "وأقبلوا إلى يسوع، وألحّوا يتوسّلون إليه قائلين: "إنّه يستحق أن تصنع له هذا، لأنّه يحبّ أمّتنا، وقد بنى لنا المَجمَع؛ أصغى يسوع إليهم، ولم يتردّد في تلبية طلبهم، بل رأسًا، مشى معهم باتّجاه البيت؛ وعندما صار غير بعيدٍ عن البيت، استبق قائدُ المئة وصولَه بإرسال بعض أصدقاء، لكي يقولوا له باسمه ما يلي: "يا ربّ، لا تزعجْ نفسك، لأنّي لست أهلًا أن تدخل تحت سقفي، لذلك، لم أحسب نفسي مستحقًّا أن آتي إليك، لكن قُلْ كلمة، فيشفى فتاي!"؛ أُعجِبَ يسوع بكلامه، وشهد أمام الجميع لإيمانه، الذي لا يوجد مثله حتّى في إسرائيل"؛ وشفى للحال خادمه.
قد تكون مفيدةً قراءةُ النصَّين الموازيَين لهذا النصّ، وملاحظة المعطيات المتبادلة ,وإبرازها:
في متّى (8: 5-13)، قائد المئة نفسه يتوسّل إلى يسوع ويطلب منه الشفاء لفتاه (لا لخادمه)، الذي كان طريح الفراش في البيت، مفلوجًا ويعاني أشدّ الأوجاع؛ لدى سماع يسوع كلام القائد، كما في لوقا، قال لمن كانوا يتبعونه: "ألحقّ أقول لكم: إنّي لم أجِدْ عند أحد في إسرائيل مثل هذا الإيمان!".
وفي يوحنّا (4: 46-54)، قائد المئة، هو هنا، ضابط ملكيّ؛ هو نفسه يسأل يسوع، كما في متّى، أن يشفي ابنه المشرف على الموت؛ فبادره يسوع بملاحظة: "ألا تؤمنون ما لم تروا آيات وعجائب؟"، لكنّ الضابط لم يتوقّف عند هذه الملاحظة، وكأنّها لا تعنيه؛ وذلك لأنّه مؤمن بيسوع وبقدرته، قبل الآية؛ وإيمانه هذا الراسخ دفعه إلى طلب تسريع الشفاء على الموت فقال: "انزل قبل أن يموت فتاي"؛ قال له يسوع: "اذهبْ، ابنك حيّ"؛ وعندما تحقّق من شفاء ابنه، ومن أنّه شفي في الساعة التي قال فيها يسوع: "ابنك حيّ"، آمن هو وكل أهل بيته.
في هذه النصوص، نرى لدى القائد الوثنيّ، والضابط الملكيّ، مع التواضع العميق، الإيمان بقدرة كلمة يسوع! مثل هذا الإيمان، أي الإيمان غيبًا بكلمة يسوع، قبل رؤية الآية، هو ذروة الإيمان الحقيقيّ.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
لم يقف الملكوت، الذي بشّر به يسوع، عند العالم اليهوديّ، بل وصل إلى العالم الوثنيّ؛ وما يتيح لكلّ إنسان الدخول في هذا الملكوت، إنّما هو الإيمان برسالة يسوع والتقبّل لندائه.
شرح عبارات وكلمات.
شيوخ اليهود (3)
رغم ما كان لهم من احترام، نلاحظ في كلامهم شيئًا من "التجارة": قالوا ليسوع: بما أنّ القائد صنع معنا حسنًا (بنى لنا المَجمَع)، فاصنعْ معه حسنًا؛ ونلاحظ وجود علاقات حسنة بينهم وبين الوثنيّين في هذا الحدث.
لست أهلًا أن تدخل تحت سقفي (6)
تواضع القائد، وقبوله بوضعه كوثنيّ، إذ لا يحقّ لليهوديّ أن يدخل بيت الوثنيّ ويأكل معه؛ لكنّ كلامه هذا سيأخذ معنًى روحيًّا، فيدلّ على تواضع الإنسان الخاطئ أمام مَن هو قدّوس الله.
ولمّا سمع يسوع أُعجِبَ به (9)
أُعجِبَ يسوع يإيمان قائد المئة، الذي جعل نفسه بين يديه، وخضع له كما يخضع الجنديّ لرئيسه؛ لذلك نرى بأنّ لوقا يريد من عرضه لهذا الحدث التشديد على إيمان القائد، أكثر ممّا يشدّد على الشفاء؛ اعتبر لوقا، كما متّى، بأنّ هذا الحدث هو بداية دخول الوثنيّين في الكنيسة.
الأب توما مهنّا