هويتنا المسيحية هي إنتماء «أضواء

 

 

 

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح هذا الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي قائلا: في التعليم الأول حول الكنيسة، يوم الأربعاء الماضي، إنطلقنا من مبادرة الله الذي يريد أن يقيم شعبًا يحمل بركته لجميع شعوب الأرض. يبدأ مع إبراهيم، ومن ثم وبصبر كبير، يهيئ هذا الشعب في العهد القديم لكيما يجعله، بيسوع المسيح، علامة وأداة لوحدة البشر مع الله وفيما بينهم (راجع المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي في الكنيسة، عدد 1). نريد اليوم أن نتوقف عند أهميّة الإنتماء لهذا الشعب بالنسبة للمسيحي.

أضاف البابا يقول: لسنا بمنعزلين، ولسنا بمسيحيين يعملون بشكل فردي، كل لذاته: هويتنا المسيحية هي إنتماء! إنها كالشهرة: فإن كان الاسم "أنا مسيحي" فالشهرة هي "أنتمي للكنيسة".

ما أجمل أن نلاحظ كيف يتم التعبير عن هذا الإنتماء أيضًا من خلال الاسم الذي يعطيه الله لنفسه. بجوابه على موسى، في حدث "العليقة المشتعلة" المدهش (راجع خروج 3، 15)، يُعرِّف الله عن نفسه كـ إله الآباء، إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. وبهذا الشكل يُظهر نفسه كالإله الذي أقام عهدًا مع الآباء ويبقى دائمًا أمينًا لعهده، ويدعونا للدخول في هذه العلاقة التي تسبقنا.

بهذا المعنى ـ تابع الحبر الأعظم ـ يتّجه الفكر أولاً، وبامتنان، نحو الذين سبقونا وقبلونا في الكنيسة. لا أحد يصبح مسيحيًّا بمفرده! فإن كنا نؤمن ونعرف كيف نصلّي، وإن كنا نعرف الرّبّ ويمكننا أن نصغي إلى كلمته، وإن كنا نشعر بقربه ونتعرّف عليه في الإخوة، فلأنّ هناك آخرين قبلنا قد عاشوا الإيمان ونقلوه إلينا وعلّمونا إيّاه.

فلو فكرنا جيّدًا، من يدري كم من الوجوه العزيزة تمرّ أمام أعيننا في هذه اللحظة: قد يكون وجه أهلنا الذين طلبوا لنا المعمودية؛ أو وجه أجدادنا أو أحد الأقارب الذي علمنا أن نرسم إشارة الصليب ونتلو أولى الصلوات؛ قد يكون وجه كاهن الرعية، أو وجه كاهن آخر، أو وجه راهبة، أو معلم التعليم المسيحي الذي نقل لنا فحوى الإيمان وجعلنا ننمو كمسيحيين... هذه هي الكنيسة: إنها عائلة كبيرة نُقبل فيها ونتعلّم العيش كمؤمنين وتلاميذ للرّبّ يسوع.

أكد البابا فرنسيس أنه يمكننا أن نعيش هذه المسيرة ليس فقط  بفضل أشخاص آخرين، وإنما مع أشخاص آخرين. ففي الكنيسة لا وجود لمن يدبّر أموره بنفسه. كم من مرّة وصف البابا بندكتس الكنيسة بـ "نحن"!

نسمع أحيانًا أحدهم يقول: "أنا أؤمن بالله، أؤمن بيسوع، لكن الكنيسة لا تهمّني..." هناك من يعتقد أنه بإمكانه بناء علاقة شخصية، مباشرة وفوريّة مع يسوع المسيح خارج شركة الكنيسة ووساطتها. إنها تجارب خطيرة ومضرّة. إنه إنفصام غير منطقي. صحيح أن السير معًا يُلزم، وقد يكون مضنيًا أحيانًا: قد يسبب لنا أحد الإخوة أو الأخوات بعض المشاكل أو يكون لنا سبب عثرة... لكن الرّبّ قد أوكل رسالة خلاصه للبشر، لشهود؛ ومن خلال إخوتنا وأخواتنا، بمواهبهم ومحدوديّتهم، يأتي للقائنا ويجعلنا نتعرّف عليه. وهذا يعني الإنتماء للكنيسة.

أيها الأصدقاء الأعزّاء، ختم البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس قائلا: لنطلب من الرّبّ، بشفاعة العذراء مريم، أم الكنيسة، نعمة ألا نقع في تجربة التفكير بأنه بإمكاننا العيش بدون الآخرين والكنيسة، وبأنه يمكننا أن نَخلُص بمفردنا. ولكن بالعكس لا يمكن أن نحب الله بدون أن نحب الإخوة؛ لا يمكن أن نكون في شركة مع الله بدون أن نكون في شركة مع الكنيسة ولا يمكن أن نكون مسيحيين صالحين ما لم نكن مع جميع الذين يسعون لإتباع الرّبّ يسوع، كشعب واحد وجسد واحد.  

إذاعة الفاتيكان