هذا هو إبني الحبيب،له اسمعوا: «أضواء

"إسمعوا له": هذا الأمر ليس منّي. إنّه من الآب السماوي القائل:"هذا هو إبني الحبيب،له اسمعوا". هو الآمر، كي نستعمل حواسّنا للدخول بعلاقة حميمة مع إبنه الوحيد، الذي رآه بطرس ويعقوب ويوحنَّا بروعة جماله الإلهيّ على جبل طابور.                                  

1-   إسمعوا له: بحاسّة السمع والإصغاء، ولكن، بالأخصّ، بالخضوع والطاعة: إسمعوا لكلامه في الإنجيل، تنقله إليكم الكنيسة بواسطة الكهنة كلّ أحد وعيد، بل كلّ يوم. إسمعوا كلامه.

2-   إسمعوا له بكلّ حواسكم: بالسمع، وأيضاً بالنظر: إقرأوه، انظروا إلى أسراره وآمنوا: يقول: "لأنكَ رأيتَ، آمنت، يا توما، فطوبى لمن آمن ولم يرَ". النظر له أهميّةٌ كبرى: نظرة الإيمان. أنظر إلى القربان مرفوعاً أو مصموداً أو مستوراً في بيته الصغير، تذّوق طعمه بحاسة اللسان عندما تتناوله في فمك: وتحسّس حضوره في جسمك وقلبك وكلّ حواسّك... أنظر إلى صورِ الربّ في الأيقونات، وجدّد إيمانك بالذي تمثّله لابساً الثوبَ الإلهيَّ الأحمرَ الذهبيّ في الداخل، ومرتدياً الثوبَ البشريّ الأزرق خضروياً في الخارج، حاملاً كتاب إنجيله في يساره، وهو يبارك في يمينه راسماً إسمَه وصليبَه عليك َ، لكي تتعرّف إليه وتجدّدَ إيمانك به. وبأنفك اشتَمَّ رائحة البخور وعبير الزهور بألوانها وأشكالها: واسجد لملك الملوك ورب الأرباب وسيّد السماوات والأرض...

3-   هل للعالم حواسٌ ليستمع إلى كلام الربّ فيرى مجده، ويلمسَ سرّه ويتنسّم ويتذوق جسده الأفخارستيّ، وروعة جماله الخفيّ؟ هل للعالم بعدُ حواسٌ ليدركَ عظمة جسد الربِّ مذبوحاً على الصليب، ومتجليًّا على الجبل، وقائماً من الموت قبل فجرِ يوم الأحد ؟...هل للعالم بعدُ حاسّةُ الإيمان حتى خُلُقية الإنجيل، فيرفض حضارةُ الموت والإجهاض والمتعة الآنية، والموتِ الرحيم؟ هل يتخلّى عن العنف الأُسريّ، وعن الحروب، ومجازر الأنبوب وعن المخدرات، وأنواع البِدَع والخُزعبلات؟

هل للعالم حواسً مسيحيةٌ رهيفةٌ، ليتبنّى مع الكنيسة حضارة المحبّة النابعة من الإنجيل؟...

بالعطاء المجانيّ دون حساب، ببذل الذات من اجل المحبوب حتى الفناء، بالمغفرة، بالتضحية، بالأمانة الزوجية والإحترام المتبادل والإهتمام بالأولاد؟...

ليتنا اليومّ نُبصِر الحقيقة كاملةً في لبنان، هذا البلد الذي كان الأقدمون يُسَمّونه"جبلَ الله"، لِما كانوا يشعرون من قدسيّة في قمم جباله الناصعة البياض، ومن صوفيّةٍ في حنايا وديانه الخاشعة: إنَّ الله نفسَه ذكرَ اسم لبنان في كتابه المقدّس 70 مرة، وذكرَ أرزه 75 مرّة. وكانت العبرةُ دائماً: عظة وشموخ وقداسة. ليتنا نكرِّسُه اليومَ ليسوع، كما تكرّسَ لقلب أمّه الطاهر منذ شهرين! ليت زعماءَنا ووسائلَ الإعلام يحجمون عن الشتائم والتُهَمِ والتجاديف والتناحر، فيرمونها خارجاً، كي يضعوا اليدَ باليد، فيسمعوا كلامَ اللهَ ويحافظوا على وطَنهم، جبلاً وسهلاً وساحلاً، ويرفعوه فوق جميع الأمم والشعوب، ليبقى، لا لا فقط وطناً حرًّا أبيًّا، بل رسالة محبة وإيمان وسلام، فنستمطر بركات اللهِ عليه، بشفاعة قدّيسيه، شربل ورفقا ونعمة الله وأبونا يعقوب والأخ إسطفان، طالبين منه تعالى أن يردع المتسلطين على جبله المقدّس ويجعلَ منّا رسُلَ المحبة والسلام في العالم كلّه، فنكون المثالَ الأعلى لجميع الشعوب والأمم.

فيا ربّ التجلّي والفداء، في هذه الليلة المقدّسة، إقبل تمنيّاتنا، فهي صلاة. إقبل تضرعاتنا، فهي شوقٌ لرؤية وجهكَ الجَمِّ، المتجلّي لنا على الجبل في مثل هذا اليوم المبارك. ولكَ المجدُ إلى الأبد. آمين

(عظة عيد التجلي 2013 على جبل الرب)