نظرة أولى إلى الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل للبابا فرنسيس (6) «أضواء

 

 

 

قبل البدء بالحديث عن المواضيع المتعلقة بالعمل التبشيري، يتوقف البابا فرنسيس في الفصل الثاني من الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" لإلقاء نظرة سريعة على الواقع والإطار الذي يجب العيش والعمل فيه. ويشرح البابا في مطلع الفصل أن هدفه ليس تقديم تحليل اجتماعي، ولا أن يقع في الخطأ الشائع المعروف حاليًا باسم "الافراط في التشخيص"، بل يود بالحري أن يقدم "تمييزًا إنجيليًا" (discernimento evangelico). الهدف من تحليل البابا هو تشخيص العوامل التي تعيق وتلك التي تساعد العمل التبشيري. ودعا في هذا الإطار الجماعات لكي تكون نبيهة وتميّز علامات الأزمنة.

بالرغم من التقدم الكبير الذي عاشته البشرية على أصعدة مختلفة، لا يمكننا ألا نلاحظ أن الكثير من معاصرينا يعيشون في أوضاع غير ثابتة. ولا يمكننا ألا نلاحظ تزايد الأمراض، وانطفاء فرح العيش لدى الكثيرين.

في هذا الإطار يدعو البابا إلى رفض ما أسماه "اقتصاد الاستثناء والجور" لأنه "اقتصاد يقتل". وتأسف أن موت عجوز فقير على جانب الطريق لا يولد خبرًا إعلاميًا، أما نزول أسعار البورصة بنقطتين فيضحي خبرًا عالميًا. وتأسف الأب الاقدس لتحول الإنسان إلى "سلعة استهلاكية" ولأكل القوي للضعيف.

ويتحدث البابا فرنسيس عن نظرية "الوقع الإيجابي" الاقتصادية والقائلة بأن كل نمو في السوق الاقتصادي يحمل معه مساواة أكبر ويعلق على هذه النظرية قائلاً: "هذا الرأي لم يتم أبدًا التحقق منه من خلال الوقائع، وهو يعبّر عن ثقة ساذجة ورخيصة في صلاح من يسيطر على السلطان الاقتصادي". بالواقع ما يجري الآن هو "عولمة اللامبالاة". وقد أضحينا ضحايا السوق وهذه اللامبالاة، لأننا "نخسر هدوءنا إذا قدم السوق شيئًا لم نشتره بعد، بينما كل الحيويات التي تتحطم بسبب نقص الإمكانيات تبدو لنا وكأنها مشهد مجرد لا يؤثر فينا بأي شكل".

ولذا يدعو الأب الأقدس إلى عدم الوقوع في أشراك عبودية وتأليه المال. فـ "الأزمة الاقتصادية التي نمر بها تجعلنا ننسى أن في أصلها أزمةٌ أنتروبولوجية عميقة: وهي إنكار أولية الكائن البشري! لقد خلقنا أوثانًا جديدة". هذا التعبد للمال هو وجه جديد ومعاصر للسجود للعجل الذهبي (راجع خر 32، 1 – 35)

مالٌ يحكم أم مال يخدم؟

ولذا يعبّر البابا عن رفضه لـ "مال يحكم بدل أن يخدم". فوراء موقف التعبد للمال هناك رفض للأخلاق ولله. من يعيش بهذا الشكل ينظر إلى الأخلاق بسخرية وحذر معتبرًا أنها خطر وتهديد. العالم بحاجة لإصلاح اقتصادي ينبع من تغيير مواقف المسؤولين السياسيين. ويذكر في هذا الإطار أن "البابا يحب الجميع، أغنياء وفقراء، ولكن على عاتقه، باسم المسيح، مسؤولية أن يذكّر الأغنياء بأن يساعدوا الفقراء، أن يحترموهم وأن يشجعوهم".

هذا ويدعو الأب الأقدس إلى رفض عدم الإنصاف الذي يولد العنف. فالخبرة تعلمنا أن الاستهلاك المتطرف إلى جانب عدم الإنصاف يولدان العنف في المجتمع. وهذا العنف لا يحله التسارع إلى التسلح، بل على العكس، يساهم في تعقيده أكثر.

موقع Zenit - روبير شعيب