مَن رآني رأى الآب «أضواء
الأحد القادم، 25 أيّار، سيحتفل البابا فرنسيس بسرّ القربان المقدّس في بيت لحم، في ساحة كنيسة المهد، المكان الذي تجسّد فيه الله وأعطانا جسدهُ ودمهُ، «ليُصبح الله مع شعبه»، عمّانوئيل. وفي مساء الأحد ذاته سيتمّ اللقاء في القدس، في كنيسة القيامة، بين البابا فرنسيس والبطريرك المسكونيّ للقسطنطينيّة برتلماوس!
إنّ العالم ولا سيّما العالم المسيحيّ، يتطلّع برجاءٍ كبير لوحدة الكنائس في هذا اللقاء بين الأخوين: أندراوس (القسطنطينيّة) وبطرس (روما). وهل ستُحدث زيارة قداسة البابا انفراجًا في العلاقات الدبلوماسيّة أيضًا؟
القدس، مدينة السلام! لقد حدثت من قبل توتّرات في الجماعة المسيحيّة الأولى بين اليهود والهلينيّين، بين الأرامل اللواتي يتكلّمن اللغة العبرية واللواتي يتكلّمن اللغة اليونانيّة، كما يذكر نصّ أعمال الرسُل. وفي الواقع، من الصعب معرفة كيفيّة مساعدة الفقراء وإرضاء الجميع في الوقت ذاته، لذا يبدو في بعض الأحيان أنّه لا مفَرْ من التوتّرات والانقسامات.
نقرأ في أعمال الرّسل(6: 1-7 )كيف حاول الرسُل حلّ هذه المشكلة. فقالوا لبعضهم: علينا أن نواظب على الصلاة وخدمة الكلمة وأن نُقيم آخرين من أجل الخدمة الاجتماعيّة ومساعدة الفقراء. ولكن حتى هؤلاء، لا بُدّ أن يكونوا أكثر من «مُسعفين إجتماعيّين»؛ عليهم أن يكونوا رجالًا «لهم سمعة طيّبة، ممتلئين من الروح القدس والحكمة» (أع 6: 3). وهكذا نشأت رتبة شمامسة الخدمة في الكنيسة.
سيواجه البابا فرنسيس في القدس توتّرات أكثر صعوبةً من ذلك؛ توتّرات بين المسيحيّين، أرثوذُكس، كاثوليك وبروتستانت، الذين يتنازعون حراسة الأماكن المقدّسة، وتوتّرات أكثر إيلامًا بين إسرائيل وفلسطين، بين اليهود والعرب. ما الذي سيفعله البابا فرنسيس أمام مهمّة بهذه الصعوبة؟ هل سيُلغي زيارتهُ؟ هل سيكتفي بتصريحات سطحيّة، والتي لن تضرّ، لكنّها لن تلمس قلب أحد؟ إنّ ذلك ليس أسلوبه.
في بيت أبي منازل كثيرة: هذه الكلمات في إنجيل (يوحنا 14: 1-12)- وهي تقريبًا الكلمات الأخيرة التي يوجّهها يسوع إلى تلاميذه- يمكن أن تكون مصدر إلهام لقداسة البابا:
لا تضطّرب قلوبكم. لا يمكن الحصول على السلام ووضع حدّ لكلّ التوتّرات والاضطرابات إلاّ إذا توصّلنا إلى العيش المشترك في القبول المتبادّل.
يمكن لبيت أبي أن يكون مسكناً لكثيرين. إذا كنّا نؤمن بالله، يهودًا، مسيحيّين ومسلمين، علينا أن نعيش معًا، لأنّ بيت الله ليس امتيازًا لأحد. فأبواب بيت الله مفتوحة وفيه مكانُ لجميع أولئك الذين يؤمنون بالله.
أنا الطريق والحق والحياة. ليس في ذلك إساءة للمؤمنين من الديانات الأخرى، فحبّنا واحترامنا لأبناء الله الآخرين يتطلّب منّا أن لا نُخفي عنهم مصدر سعادتنا، وحبّنا الذي بلا حدود. وعلى سؤال توما: « كيف نعرف الطريق؟»، فإنّ جوابنا: يسوع هو طريقنا، وحقُّنا وحياتنا.
مَن رآني رأى الآب. جواب يسوع هذا على طلب فيلبّس: «أرِنا الآب وحسبنا»، أبّ لكلّ المؤمنين وكلّ إنسان، ما الذي سيقوله اليهود والمسلمون الذين يرون تصوير الله رجسٌ عظيم؛ لأنّ الله أكبر مَن أيّ شيء يمكن أن يتخيّله الإنسان [الله أكبر]؟
لكن هل لله وجه غير وجه الإنسان الذي خلقهُ على صورته؟ «إنّ مجد الله هو الإنسان الحيّ» (القدّيس إيريناوس). هل يمكن أن يكون هناك طريقًا للتفاهم والمصالحة بين المؤمنين سوى الجهد الذي على كلّ رجل وامرأة أن يقوم به من أجل العيش على صورة ومثال الله، خالقه؟ ألا نصادف أحيانًا، وفي جميع الأديان، أشخاصًا يعكسون النور والخير الذي في قلب الله؟ أشخاصًا، - يهود، مسيحيّين أو مسلمين،- يدفعون بنا إلى القول: «مَن رآك، رأى الله»؟
خاتمة: ليحاول كلّ مؤمن أن يجعل من كلام يسوع، كلامًا يخصّه شخصيًّا: «مَن يراني، يرى الله» وأن يكون علامة حيّة وملموسة لمحبة الله. ولنصلّي بحرارة لأن تجعل زيارة البابا فرنسيس من أماكننا المقدّسة أماكن سلام ولقاء؛ لتكن زيارته وسيلة تقارب لقلوب جميع المؤمنين، يهوداَ، مسيحيّين ومسلمين، لأنّه في بيت الله يوجد مكان لجميع الناس ذوي الإرادة الصالحة.
بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعيّ