موهبة التقوى «أضواء

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول: أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نريد اليوم أن نتوقّف عند موهبة الرّوح القدس التي غالبًا ما نسيء فهمها أو نأخذها بشكل سطحي بينما تلمسنا في جوهر هويّتنا وحياتنا المسيحية، ألا وهي موهبة التقوى.

تابع الأب الأقدس يقول: ينبغي أن نوضح حالاً أنَّ هذه الموهبة لا تتماهى مع الشعور بالشفقة تجاه شخص ما أو تجاه القريب، بل تشير إلى انتمائنا لله والرباط العميق معه، رباط يعطي معنى لحياتنا بأسرها ويحفظنا ثابتين في الشركة معه حتى في المحن والأوقات الصعبة. إِنَّ هذا الرباط مع الرّبّ لا يجب أن يُفسّر كواجب أو فرض.

إنَّه رباط ينبع من الداخل. إِنَّه علاقة تُعاش بواسطة القلب: إنها صداقتنا مع الله التي وهبنا إيّاها يسوع، إنها صداقة تغيّر حياتنا وتملأنا بالحماس والفرح. لذلك، تولّد فينا موهبة التقوى، قبل كل شيء، الإمتنان والتسبيح. في الواقع، هذا هو الدافع والمعنى الأكثر أصالةً لعبادتنا.

عندما يجعلنا الرّوح القدس نشعر بحضور الرّبّ وبمحبته لنا ويدفئ قلبنا ويدفعنا بشكل طبيعي إلى الصلاة والإحتفال. فالتقوى إذًا هي مرادف لروح دينيٍّ أصيل وللثقة البنوية مع الله وتلك القدرة على رفع الصلاة له بالمحبة والبساطة التي تميّز الأشخاص المتواضعي القلب.

أضاف الحبر الأعظم يقول: إذا كانت موهبة التقوى تجعلنا ننمو في العلاقة والشركة مع الله وتحملنا على العيش كأبناء له، فهي تساعدنا في الوقت عينه لنسكب هذه المحبّة على الآخرين ونعترف بهم كإخوة. عندها ستحرّكنا مشاعر التقوى – لا التقويّة! – تجاه القريبين منّا والذين نلتقي بهم يوميًّا.

لماذا أقول لا التقويّة؟ لأنّ هناك بعض مَن يعتقدون أنّ التقوى تقوم بإغماض العينين والتخشّع والتظاهر بأننا قديسين! لا التقوى ليست هذا! وإنما هي أن نصبح قادرين حقيقة على أن نفرح مع الفرحين، ونبكي مع الباكين، وأن نقترب مَن الوحيد والحزين، ونصلح من هو في الخطأ، وأن نعزّي البائس ونستقبل ونساعد المحتاج. هناك رباط وثيق بين موهبة التقوى والوداعة، فموهبة التقوى التي يمنحنا إيّاها الرّوح القدس تجعلنا وُدعاء وصبورين وفي سلام مع الله، وتضعنا في خدمة الآخرين بتواضع.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: أيّها الأصدقاء الأعزّاء، يؤكّد بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما: "إِنَّ الذينَ يَنقادونَ لِرُوحِ الله يَكونونَ أَبناءَ اللهِ حَقًّا. لم تَتلَقَّوا روحَ عُبودِيَّةٍ لِتَعودوا إِلى الخَوف، بل روحَ تَبَنٍّ بِه نُنادي: أَبًّا، يا أَبَتِ!" لنطلب من الرّبّ أن تتمكّن موهبة روحه من التغلّب على خوفنا وشكوكنا وروح القلق، وتجعلنا شهودًا فرحين لله ولمحبّته. فنعبد الرّبّ بالحق ونخدم القريب بالوداعة والابتسامة التي يمنحنا إيّاها الرّوح القدس بفرح. ليمنحنا الرّوح القدس إذًا جميعًا موهبة التقوى هذه.

في ختام مقابلته العامّة حيّى الأب الأقدس المؤمنين والحجّاج الذين احتشدوا في ساحة القديس بطرس، وفي تحيّته للحجّاج الناطقين باللغة البولنديّة وجّه البابا فرنسيس رسالة للشباب البولنديين الذين يجتمعون اليوم عند حوض العماد في ليدنيكا في بولندا ليجدّدوا انتماءهم للمسيح والكنيسة وقال: تريدون هذا العام أن تُعمقوا وتعيشوا سرّ البنوّة الإلهية ليسوع – ومن خلاله – جميع الذين بواسطة المعمودية يشاركون في حياته وموته وقيامته. تريدون أن تعكسوا معنى أن نكون أبناء الله وتختبروا محبّته، كما وترغبون بعيش هذه المحبّة والشهادة لها أمام الآخرين.

تابع الحبر الأعظم يقول: إنّ بنوّتنا هي أمانة وامتنان ومشاركة. إنها الأمانة لمحبّة الله الذي أحبّنا أولاً، فخلقنا وأعطانا ابنه الوحيد يسوع المسيح. إنها الإمتنان لرحمته الأبويّة والفرح الذي يفتح العيون والقلوب على حضور وصلاح وجمال الإخوة. إنها المشاركة بمحبّة الآب والإبن في الرّوح القدس التي تحملنا على مقاسمة الأفراح والأحزان، البهجة والألم، النجاح والمحن.

أيها الشباب الأعزّاء تشجّعوا! أجيبوا بحماس على محبّة الله كأبناء أحبّاء، أجيبوا بثقة عندما تعودوا إلى الآب الرحيم كأبناء ضالّين، إفرحوا دائمًا بنعمة أنكم أبناء الله واحملوا هذا الفرح إلى العالم. لقد بدأ القديس يوحنا بولس الثاني معكم منذ ثمانية عشرة سنة مسيرة ليدنيكا هذه، فليرافقكم وينال لكم جميع النعم الضروريّة لتكون حياتكم الفتيّة مليئة وسخيّة. أكِلُكُم لحماية العذراء مريم الوالدية وأمنحكم فيض بركاتي الرسوليّة.

إذاعة الفاتيكان