لقد أخذوا الربّ من القبر! «أضواء

 

 

 

 

« لقد أخذوا الربّ من القبر». هل كان ذلك خبرًا جيّداً أم سيّئاً؟ كان ذلك بالتأكيد كارثة إضافيّة بالنسبة لمريم المجدليّة! فقد كان عزاؤها الوحيد بعد موت الحبيب، مساء يوم الجمعة هذا، أن تتمكّن من إعطاء جسده كلّ العناية التي يستحقُّها.

وها هي أمام قبرٍ فارغ. ليس أنّهم قتلوه ودفنوه فحسب، ولكنّ قمّة المصيبة أنّهم أيضًا سرقوه! هل كان عليها أن تجتاز تجربة الفراغ هذه لكي تكتشف مِلئًا جديدًا؟

يُعتبَر الإيمان بقيامة يسوع الناصريّ من بين الأموات في بعض الأحيان وكأنّه من نسجِ مُخيّلة هستيريّة للنسوة، أو لرجالٍ قد خاب أملهم إلى أقصى حدّ. إذ يمكن للإنسان أن يخلق عالمًا وهميًّا  ليتغلّب فيه على خيبة أملٍ عميقة، أو لتهدئة ألمه من فشلٍ لا يُطاق، وبذلك يُحقّق حلمه الضائع.

وإذا كُنّا نُردّد باستمرار في كنيستنا الشرقيّة وليتُورجيا الفصح: المسيح قام من بين الأموات، إنّه حقًّا قام! ألا يكون ذلك وسيلةً لحماية أنفسنا من برودة ولامبالاة عالم نواجه فيه يوميًا قبورًا مكتظّة، ودمارًا مجنونًا وحروبًا بين الإخوة...، عالم يكاد لا يظهر فيه انتصار المسيح على الشرّ والموت؟

كتب شارل بيغي: «يستغرق الطفل 18 سنة لكي يكبر؛ وضربة سكين تُنهي كلّ شيء. ويستغرق بناء منزلٍ جميل العمر كلّه، وعود ثقاب ليُحيله رمادًا».

ملء القبر الفارغ: أُدرك تمامًا أنّ هذه ليست مقدّمة جيّدة لعيد القيامة. إنّها تُزعجنا؛ إنّها تجعلنا ندخل في خبرة الفراغ. كيف سنجد الشجاعة والإيمان لكي نكتشف فيما وراء الفراغ هذا الفرح الذي لا يمكن لأحد أن ينتزعهُ منّا؟ كيف سنصل إلى خبرة مريم المجدليّة لنرى الحياة الجديدة فيما وراء الموت؟ لقد أصبحت «رسولة الرّسل» لأنّها التقت مُعلّمها «رابوني» فيما وراء أهوال الموت؟

كيف يمكن أن يكون لدينا إيمان يوحنّا، الحبيب، الذي أبصر ما وراء اللفائف التي كانت تُحيط بالجثمان، «فرأى وآمَن»؟ كيف استطاع بطرس الذهاب إلى كورنيليوس، أوّل وثنيّ، لكي يُبشّره بقيامة يسوع: «هو، الذي قتلوه إذ علّقوه على خشبة، أقامه الله في اليوم الثالث... ونحن شهودٌ على ذلك» (أع 10: 39-40)؟

خيال أم حقيقة: لقد واجه القائم من الموت الكثير من الصعوبة لكي يُخرج تلاميذه من قبورهم. كان عليه أن يدخل من الأبواب المُغلقة؛ كان عليه أن يُريهم جراحه وحتى أن يدعوهم ليلمسوها؛ كان عليه أن يأكل أمامهم ليروا أنّه ليس شبحًا؛ كان عليه أن يفسّر لهم الكتب وأن ينفخ فيهم. لقد فتح لهم أبواب هذا العالم، المُغلقة بسبب الخوف وعدم الإيمان، قائلًا لهم: خذوا الروح القدُس واذهبوا لإعلان البشارة حتى أقاصي الأرض.

هل كان يمكن لرسالة مبنيّة على وهْمٍ أن تنجح وأن تجعل من أولئك الرجال الجاهلين «شهداء» على طريق  الشهادة؟

شهودٌ للقيامة: في يوم عيد الفصح هذا، وفي وسط عالمٍ يحتضر (سوريا، أوكرانيا...)، نحن المسيحيّون مُرسَلون مع مريم المجدليّة، بطرس ويوحنّا وكلّ هذا الجمع من الشهود – لكي نمضي إلى ما وراء حدود كنائسنا لكي نُعلن الفرح، الحقيقة، وقوّة انتصار يسوع على الموت. نعم، الخير أقوى من الشرّ والحُبّ أقوى من الكراهية والحياة أقوى من الموت. ونحن شهودٌ على ذلك.

شهود على القيامة فيما وراء الموت، الآلام والقبور، الممتلئة أو الفارغة، لكي نُعلن أنّ:

- المسيح قام من بين الأموات. وقد انتصر على الموت.

- إنّه حقًا قام، لأنّه يساعدنا على الخروج من قبورنا كلّ يوم، للتغلّب على الشرّ، على الثقة، على أن نسامح ونفتح أيدينا، على «أن نجعل من اليوم الحاضر أوّل يوم من الباقي من حياتنا.

- وهو يُرسلنا إلى كلّ المُقعدين، كلّ المنبوذين واليائسين في العالم لنقول لهم: أخرجوا من قبوركم؛ تجاوزوا شكوككم؛ ثقوا بقوّة الخير؛ كونوا صانعي سلام!

وهكذا، في إخلاصنا لهذه الشهادة – حتى ولو كان ذلك معاكسًا لتيار العالم الذي نعيش فيه! – يمكننا أن نُحقّق العالم الجديد وأن نشهد للقيامة قائلين: المسيح قام! حقّاَ قام!

الأب هانس بوتمان اليسوعيّ