كان لابد أن يقوم المسيح «أضواء

 

 

 

 

1- كان لا بد أن يقوم المسيح، لأن فيه كانت الحياة.

هكذا قال القديس يوحنا الإنجيلي: "فيه كانت الحياة" (يو 1: 4).. والذي فيه الحياة، لا يمكن أن يبقي ميتًا، بل إنه قال لمرتا "أنا هو القيامة والحياة.. من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو 11: 25)، ما دام هو الحياة، فكيف إذن لا يقوم؟.. إنه يؤكد نفس المعنى بقوله "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6).. نعم كيف لا يقوم، هذا الذي قال عن نفسه ليوحنا الرائي "أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا، وها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين.. ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 18).. لهذا كله وبخ ملاك القيامة النسوة قائلًا: "لماذا تطلبن الحي من بين الأموات" (يو 24: 5).

2- نعم، كان لا بد أن يقوم من الموت، لأنه هو نفسه قد أقام غيره من الموت، بمجرد أمره.

لقد أقام إيليا ميتًا، ولكن بسبع صلوات.. وأقام أليشع ميتًا بصلوات أيضًا.. أما السيد المسيح، فقد أقام إبنة يائيرس، وإبن أرملة نايين، ولعازر، بمجرد كلمة الأمر، إنه معطي الحياة.. في إقامته إبنة يايرس، أمسك بيدها وقال لها: "طليثا قومي "الذي تفسيره: "يا صبية لك أقول قومي "وللوقت قامت الصبية ومشت (مر 5: 41، 42).

وفي إقامته إبن أرملة نايين، تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون.. فقال "ايها الشاب لك اقول قم، فجلس الميت وابتدأ يتكلم، فدفعه إلى أمه" (لو 7: 14، 15).. وفي إقامته لعازر "صرخ بصوت عظيم: لعازر هلم خارجًا.. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل.. فقال لهم: حلوه ودعوه يذهب" (يو 11: 43، 44).

هذا الذي أمر الموتى فقاموا.. أكان صعبًا عليه أن يقوم؟!.. كلا، بل كان لا بد أن يقوم، لأنه مقيم، لأنه مقيم الموتى بأمره.

نعم، كان لا بد أن يقوم، هذا الذي قال عنه الكتاب: "كما أن الرب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الإبن أيضًا يحيي من يشاء" (يو 5: 21). فهذا الذي يحيي من يشاء، ألا يحيي نفسه؟!

3- وكان لا بد للمسيح أن يقوم، لأن قيامته نبوءة لا بد أن تتحقق.

يقول الكتاب بعد شهادة بطرس للمسيح أنه إبن الله "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه، أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم" (متى 16: 21).. وبعد معجزة التجلي "فيما هم نازلون من الجبل، أوصاهم يسوع قائلًا: لا تعلموا أحدًا بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات" (متى 17: 19). وبعد أن شفي المصروع وقال "هذا الجنس لا يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم"، قال لهم وهم يترددون في الجليل: "إن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم" (متى 17: 22، 23).

وبعد أن شرح مثل الكرم، ومن جاء في الساعة الحادية عشرة، أخذ تلاميذه على انفراد وقال لهم: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم" (متى 20: 18، 19)، (لو 9: 31-33).

لهذا كله حدث تذكير بعد القيامة بذلك.

قال ملاك القيامة للمرأتين "إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب.. ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال" (متى 28: 5، 6). وعبارة "كما قال "تعني ما تنبأ به عن نفسه من حيث قيامته في اليوم الثالث.

بل أن هناك نبوءات في العهد القديم عن قيامته من الأموات.

ولذلك فإن السيد المسيح قال لتلاميذه بعد قيامته "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به، وأنا بعد معكم، إنه لا بد أن يتم ما هو مكتوب علي في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الموت في اليوم الثالث" (لو 24: 44-46).

حقًا ما أكثر النبوءات عن ذلك نتركها الآن لمبحث آخر.. ولعله بسببها نقول في قانون الإيمان "وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب".

ولعل من الرموز لهذه القيامة في العهد القديم: قصة يونان النبي:

فعندما طلب منه اليهود آية.. قال لهم "جيل فاسق وشرير يطلب آية ولا تعطي له إلا آية يونان النبي.. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاثة ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (متى 12: 39، 40).

4- كان لا بد أن يقوم المسيح، لأن قيامته كانت في سلطانه هو:

لقد مات بارادته.. هو قدم نفسه للموت، ولم يكن مضغوطًا عليه في ذلك.. وقد قال موضحًا هذا الأمر في عبارته الخالدة "إني أضع نفسي لآخذها أيضًا، ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها من ذاتي.. لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 17، 18).. حقًا ما أعجب هذه العبارة "ولي سلطان أن آخذها أيضًا "أي أن استرجع هذه الحياة التي وضعتها من ذاتي، ولم يكن لأحد سلطان أن يأخذني مني.. إذن كان لا بد أن يقوم، ويقوم بإرادته..

ولعلنا نسأل: لماذا وضع ذاته؟.. وما فائدة ذلك في القيامة..؟

5- كان لا بد أن يقوم، لأن موته كان مجرد وضع مؤقت، لأداء رسالة مزدوجة.

كان ممكنًا أنه لا يموت بحسب طبيعته، ولأن الموت هو أجرة الخطيئة (رو 6: 23). وهو لم تكن له خطيئة تستحق الموت.. ولكنه قبل أن يموت عوضًا عنا، لكي يفدينا بموته، كما قال الرسول "متبررين مجانًا بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه.. من أجل الصفح عن الخطايا السالفة" (رو 3: 24، 25).

كانت هذه هي الرسالة الأساسية للموت، أي الفداء.. وماذا أيضًا..؟

وكان لا بد بعد الفداء، أن يذهب ويبشر الراقدين على الرجاء، ويفتح باب الفردوس، وينقل هؤلاء الراقدين من الجحيم إلى الفردوس.. وفي هذا يقول القديس بطرس الرسول:

"فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلي الله، مماتًا في الجسد، ولكن محيي في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1 بط 3: 18، 19).. نعم كرز لتلك الأرواح بالخلاص، ونقلها إلي الفردوس، كما نقل اللص اليمين.

ويقول القديس بولس الرسول: "وأما أنه صعد، فما هو إلا أنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلي، الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السموات" (أف 4: 9، 10).

6- وكان لا بد أن يقوم المسيح، لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.

حتى عندما مات.. تقول القسمة السريانية: انفصلت روحه عن جسده.. ولكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه ولا عن جسده.. روحه المتحدة باللاهوت نزلت إلى أقسام الأرض السفلي، وكرزت للأرواح التي في السجن، وأصعدتها إلى الفردوس..أما جسده فبقي في القبر متحدًا بلاهوته أيضًا.. فهو قد مات بشريًا من جهة انفصال الروح عن الجسد، ولكنه كان "محيي في الروح".. كانت له الحياة الثابتة في اللاهوت، والتي من أجلها صرخ نيقوديموس وهو يكفنه "قدوس الله.. قدوس القوس.. قدوس الحي الذي لا يموت."

نعم كان لا بد أن يقوم هذا الجسد المتحد باللاهوت.. وما كان ممكنًا أن يستمر في الموت.

إن الموت لم ينتصر عليه مطلقًا، وما كان ممكنًا أن ينتصر عليه.. بل أنه بموته داس الموت، أي داس على هذا الموت الذي انتصر على كافة البشر، فنجاهم السيّد من هذا الموت بموته عنهم، ودفع ثمن خطاياهم.. وهكذا قضي على سلطان الموت.

7- وهذا الذي قضي علي سلطان الموت بموته، كان لا بد أن يقوم.

كان لا بد أن يقوم، ليعلن انتصاره علي الموت بقيامته، وليعلن للناس جميعًا أنه لا شوكة للموت، حسب تسبحة بولس الرسول "أين شوكتك يا موت؟.. أين غلبتك يا هاوية؟" (1 كو 15: 55).

8- وكان لا بد للمسيح أن يقوم، لكي يعزي التلاميذ ويقويهم.

كان لا بد أن يقوم، لكي يزيل النتائج المرعبة التي نتجت عن صلبه، حيث خاف التلاميذ واختفوا في العلية، وتشتت باقي المؤمنين به خائفين من اليهود وبطشهم.. وأنكر من أنكر، وشك من شك.. وكان لا بد أن يقوم المسيح لكي يقوم بعملية ترميم لإيمان الناس، ويشجعهم لكي يستمروا في إيمانهم، ويصمدوا أمام اضطهادات اليهود.. وهكذا كانت قيامته أكبر دافع لهم للكرازة.

9- وكان لا بد له أن يقوم، ليثبت أنه ليس إنسانًا عاديًا يموت كباقي الناس.

جميع الناس يموتون، ويستمرون هكذا منتظرين القيامة العامة، لكي يقوموا.. أما السيد المسيح فكان لا بد أن يقوم مباشرة، وإلا حسبوه إنسانًا عاديًا.. إن قيامته قد أثبت لاهوته، وبخاصة أنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد.

10- وكان لا بد أن يقوم المسيح، ليكون الباكورة التي على شبهها يقوم الكل.

وهكذا قال القديس بولس "آلان قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين.. لأنه كما أن في آدم يموت الجميع، هكذا أيضًا في المسيح أيضًا سيحيا الجميع المسيح باكورة، ثم الذين في المسيح في مجيئه" (1 كو 15: 20-22).

ويتكلم عن أهمية قيامة المسيح، فيقول "إن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم.. أنتم بعد في خطاياكم... إذن الذين رقدوا في المسيح أيضًا قد هلكوا".. ويستطرد "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس" (1 كو 185: 17-19).

11- نعم.. كان لا بد أن يقوم المسيح، لكي يؤسس المسيحية.

ولكي يمكث مع التلاميذ أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع 1: 3)، ويضع لهم قواعد الإيمان.. ويسلمهم الأسرار والطقوس، وينفخ في وجوهم قائلًا "اقبلوا الروح القدس.. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت" (يو 20: 22، 23).. ثم يعدهم بحلول الروح القدس عليهم لكي ينالوا قوة، ويكونوا له شهودًا في أورشليم وكل اليهودية وإلى أقاصي الأرض" (أع 1: 8).. ثم بعد ذلك يعهد إليهم بالكرازة قائلًا "اذهبوا إلى العالم اجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.. من آمن واعتمد خلص" (مر 16: 15، 16).. "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدهم باسم الآب والإبن والروح القدس.. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به.. وها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متى 28: 19، 20).

تأمّلات في القيامة

البابا شنودة الثالث