عيد سيدة لورد - يوم المريض العالمي «أضواء
سيدة لورد: لورد مدينة صغيرة قابعة على جبال البيرينيه في جنوب فرنسا. في هذه المدينة التي كانت تنعم بالهدوء والسكينة ظهرت العذراء مريم في 14 شباط 1858 للصغيرة برناديت سوبيرو ابنة الأربعة عشر ربيعاً، التي لم تتعلم بعد لا القراءة ولا الكتابة، كما لم تتلق مناولتها الأولى. وقد نعمت برناديت بثمانية عشر ظهوراً في مغارة " ماسابييل " قرب المجرى الشتوي النازل من جبال البيرينيه والمسمى " بو ".
ولكي تقي العذراء برناديت من الزهو الباطل، أمرتها بأن تشرب وتغسل وجهها من عين لا يبدو منها غير تراب موحل، وبأن تأكل أعشاباً مُرَّة تذكّر بما أمر الله موسى في سفر الخروج " مع أعشاب مرّة يأكلونه "، وهو رمز للتوبة الذي تطلبه العذراء في كل ظهور.
أما الحدث الأهم هو أن العذراء في ظهور 15 آذار أجابت برناديت التي سألتها للمرة الرابعة عن اسمها، نزولاً عند طلب كاهن الرعية " بايرامال " " أنا الحبل بلا دنس ". تعبير لم تسمع به برناديت التي كانت التي كانت تؤمن بالآب والابن والروح القدس، ولكنها كانت عاجزة عن جمع الأقانيم الثلاثة تحت تسمية الثالوث الأقدس، فقد كانت لا تعرف إلا الشيء القليل من التعليم المسيحي. يضاف إلى ذلك أن عقيدة " الحبل بلا دنس " المتداولة في أوساط الفاتيكان اللاهوتية فقط، كان البابا بيوس التاسع قد أعلنها في 8 كانون الأول 1854,
والأهم من ذلك أن كاهن الرعية نفسه كان ينتقد الصيغة اللغوية لهذه العقيدة، ويتساءل لماذا يقال في العذراء " سيدة الحبل بلا دنس " بدلاً من أن يقال " السيدة التي حبل بها بلا دنس ". علماً أن الصيغة الأولى ماهت بين فكرة مجردة وشخص مريم ! ومعلوم أن هذه العقيدة تريد القول إن العذراء مريم، التي ستستقبل ابن الله في جسدها، قد عصمت مسبقاً بقدرة الله واستحقاقات المسيح اللاحقة على الصليب، من الخطيئة الأصلية.وهذه كلها مفاهيم لم تكن تعرفها برناديت.
وقد تحلت السلطات الكنسية بكثير من الحذر والفطنة في هذه الظهورات، وموقف الكنيسة هذا أعطى مصداقية لما يجري في لورد من شفاءات.
ففي 28 تموز 1858 أنشأ المونسنيور لورانس أسقف تارب لجنة تحقيق. وبعد أربع سنوات تقريباً، وتحديداً في 18 كانون الثاني 1862 أصدر منشوراً رعوياً يؤكد فيه " أن مريم الطاهرة أم الله، ظهرت حقاً لبرناديت سوبيرو ".
وإزاء تدفق الحجاج إلى لورد وحدوث عجائب شفاء، أنشأت السلطات الكنسية العليا " مكتباً طبياً " للحكم في العجائب الصحيحة، على أن يكون المرض خطراً جداً أو غير قابل للشفاء بوساطة العلاجات الطبية، وأن يكون في الوقت نفسه مفاجئاً وكاملاً ونهائياً. واستبعدت كل الأمراض العصبية.
وفي العام 1992 أعلن الدكتور بيلون رئيس المكتب الطبي أنه قد أحصيت إلى الآن قرابة 6000 حالة شفاء، وأن 2000 حالة منها يمكن اعتبارها شفاءات فائقة الطبيعة، ومع ذلك فإن السلطات الكنسية لم تعلن منها إلا 65 حالة عجائبية.
وقد أصبحت لورد مزاراً عالمياً يزوره الملايين من المؤمنين كل سنة، وخاصة من المرضى الذين يطلبون الشفاء بشفاعة العذراء مريم. وتقام يومياً القداديس والصلوات، ورتبة درب الصليب، والزياح بالقربان الأقدس عصراً، والتطواف بالشموع ليلاً مع تلاوة المسبحة الوردية بلغات عديدة.
ويجد الزائر في لورد مغارة الظهورات وثلاث كنائس هي: الكنيسة السفلى وقد شيدت سنة 1858، والكنيسة العليا وقد شيدت سنة 1879، وكنيسة البابا القديس بيوس العاشر تحت الأرض والتي شيدت سنة 1858، وتتسع لعشرات الآلاف من المؤمنين. وإلى جانب المغارة يجد الزائر الحمامات العجائبية التي تأتيها المياه من النبع الذي بثقته العذراء بمعجزة داخل المغارة، وفي هذه المياه يستحم المرضى، ويتبرك بها الأصحاء ويحملون منه إلى بيوتهم للبركة.
سنة 1992حددت الكنيسة الجامعة يوم 11 شباط من كل سنة يوماً عالمياً للمريض. وفي 11 شباط 1996 أصدر البابا يوحنا بولس الثاني رسالة بمناسبة اليوم العالمي الرابع للمريض، وفيها يتحدث إلى المؤمنين عن الغاية من الاحتفال بهذا اليوم. أستهل البابا رسالته بالكلمات التي نطقت بها السيدة العذراء الفائقة القداسة إلى المواطن البسيط خوان دييغو دي كوتيلان ، في 9 كانون الأول سنة 1531 عند سفح تل تيبيياك شمالي غربي مدينة مكسيكو عاصمة المكسيك، المعروف بتل غوادلوب.
فبينما كان يتضرع من أجل شفاء أحد ذويه سمع صوت يناديه: " لا تقلق من هذا المرض ولا من أية مصيبة أخرى. ألستُ أنا هنا أمك ؟ ألستُ ملاذك ؟ ألستُ أنا عافيتك ؟ ".
ويخاطب البابا في رسالته للمريض بالقول: " أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أنتم الذين تُمتحنون بصورة خاصة بالألم، إنكم مدعوون إلى رسالة مميزة عبر التبشير الإنجيلي الجديد، بوحي من مريم أم المحبة والألم البشري. . . . إن الجهود المشكورة والبطولية أحياناً للكثيرين من الذين امتهنوا الخدمة الصحية، والإسهام المتزايد للأشخاص المتطوعين، كل هذه غير كافية لتغطية الحاجات الملحة.
أضرع إلى الرب أن يحث أكثر فأكثر الأشخاص الأسخياء، الجديرين بأن يوفروا لمن هو فريسة الألم، لا التعزية من خلال مساعدة جسدية فحسب، بل أيضاً تعزية مساعدة روحية قادرة بأن تفتح له آفاق الإيمان المعزية. . . . أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين تحتملون الألم، قدموا بسخاء عذابكم هذا مشاركة مع المسيح المتألم ومع العذراء مريم أمه الكلية الحنان !
أما أنتم الذين تبذلون كل يوم تفانياً تجاه أشخاص يتألمون، إجعلوا من خدمتكم مساهمة ثمينة للتبشير بالإنجيل. أدركوا أنكم أنتم جزء فعال في الكنيسة، لأن فيكم ترى الجماعة المسيحية نفسها مدعوة إلى أن تتجابه مع صليب المسيح بغية أن تبين للعالم ميزة رجائه الإنجيلي . . . .
أوجه ندائي إليكم يا رعاة الجماعات الكنسية، حتى تستعدوا بفضل تنشئة وافية، كي تحتفلوا باليوم العلمي للمريض، بنشاطات جديرة بأن تثير الإحساس عند شعب الله والمجتمع المدني بالذات، إزاء المشاكل الضخمة .
أما أنتم يا من امتهنتم الخدمة الصحية أطباء وصيادلة وممرضون وممرضات ومرشدون ورهبان وراهبات وإداريون ومتطوعون ولا سيما أنتم النساء، رائدات الخدمة الصحية والروحية في سبيل المرضى، كونوا جميعاً دعاة شراكة بين المرضى أنفسهم وبين عائلاتهم والجماعة الكنسية. كونوا إلى جانب المرضى وعائلاتهم حتى لا يشعر قط الذين يجتازون المحنة بأنهم مهمشون.
بهذا تصبح تجربة الألم للجميع مدرسة عطاء الذات في السخاء . . . . أطرح ندائي بطيبة خاطر على المسؤولين المدنيين على كل المستويات، حتى يجدوا في اهتمام الكنيسة وفي التزامها في عالم الألم، مناسبة حوار ولقاء وتعاون بغية بناء حضارة من شأنها أن تشد الخطوات دوماً أكثر فأكثر على درب العدالة والحرية والحب والسلام، انطلاقاً من العناية بالإنسان المتألم.
دون العدالة لن يعرف العالم السلام إطلاقاً، ودون السلام لا يمكن إلا أن ينبسط الألم حتى اللانهاية. . . . على جميع الذين يتعذبون، وعلى جميع الذين يبذلون قصارى جهدهم إزاءهم، أتوسل العون الأمومي للعذراء مريم. أبتهل إلى أم يسوع كي تصغي إلى صراخ الكثير من العذابات، وتمسح دموع من يقاسي الألم، وتكون قرب جميع مرضى العالم !
أيها المرضى الأعزاء لتقدمن العذراء الفائقة القداسة إلى إبنها عطية عذاباتكم حيث ينعكس وجه المسيح على الصليب ! أرفق هذه التمنيات بتأكيد صلاتي الحارة، فيما أمنح الجميع من صميم القلب البركة الرسولية ".
وتحتفل الكنيسة الجامعة بعيد سيدة لورد ويوم المريض العالمي في 11 شباط.