طرائق الأنجلة وأساليبها(3) «أضواء
الدخول في فكر الله من خلال عمل الروح القدس الذي يهب النعمة والعطايا والمواهب. فالروح يجدّد عقل الإنسان وقلبه، وينوّر حياته ليدرك ما يريده الله للإنسان.
- إستعمال الأساليب الحديثة والوسائل المتطوّرة والطرائق المتعدّدة في تحقيق الأنجلة الجديدة، التي تحاكي العصر، كما باستطاعتها أن تجذب المؤمنين وغيرهم إلى كلمة الله وعيشها ضمن حياة الكنيسة من خلال الأسرار والليتورجيا والشهادة العلنيّة والصادقة. " أمّا الذي يعمل ويعلّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات" (متى 5: 19، مر 6: 36).
- العودة إلى الذات من خلال فحص الضمير والتأمّل والصلاة المتواصلة لإعادة إكتشاف مشروع الله وإرادته الخلاصية من أجل الإنسان، كلّ إنسان، لا سيّما الذي يعتمد ويؤمن به " فمَن آمن واعتمد يخلص ومَن لم يؤمن يُدان" (مر16: 16). وانطلق التبشير مع يسوع الذي أرسل تلاميذه وكلّ الذين يؤمنون به قائلاً:" ... إذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم وعمّدوهم باسم ألآب والابن والروح القدس" (متى 28: 19).
فالدخول إلى الملكوت والحصول على الخلاص دعوة موجّهة لكلّ الأمم. فمحبّة الله وخلاصه للإنسان لا تنحصر أبداً بشعب أو بفئة بل بكلّ فرد يؤمن به ويعتمد. من هنا ندرك أهمّية الإنتماء والإلتزام بالهوية التي يختارها الإنسان لنفسه.
- العمل على فهم كلمة الله من خلال الإصغاء المتواصل والتواصل المستمرّ مع كلمة الله. لا بدّ للمؤمن من أن يفتح قلبه وعقله لكي يفهم مشيئة الله ويلتمس من النور الإلهي ومن تعاليم الله ويفهم الكتب المقدّسة، ويحتفل بالأسرار بإيمان عميق وواعٍ، لا سيّما سرّ الإفخارستيّا. "بواسطة الإحتفال بالأفخارستيّا، تعيش الكنيسة الخبرة اليوميّة لشركة أعضائها من أجل الشهادة اليوميّة داخل المجتمع، الذي هو بُعد أساسي للرجاء المسيحي. بهذا تدرك الكنيسة الوحدة الجوهرية للرجاء الإسكاتولوجي والالتزام في العالم. عندها تحيي ذكرى تدبير الخلاص."(الإرشاد الرسولي - شركة وشهادة -عدد 80)
- تتطلّب الأنجلة الجديدة من المؤمنين أن "يحبّوا بعضهم بعضًا" كما أوصانا السيّد المسيح الذي عاش معنا ومن أجلنا، وضحّى بذاته من أجل البشريّة. أليس هذا هو الحبّ الأسمى؟ لذا يطلب منّا أن نعيش المحبّة ونطبّقها في حياتنا اليوميّة "بهذا يعرفون أنّكم تلاميذي إذا كنتم تحبّون بعضكم بعضًا".
إنّ المحبّة الكاملة التي زرعها الله في قلب الإنسان، لا سيّما المؤمن بيسوع المسيح، لا بدّ وأن تأخذ مداها في المشاركة الفعّالة بين المعمّدين، لا سيّما الممارسين لإيمانه (بوعي وعمق)، وسائر الملتزمين بتعاليم يسوع.
فالمحبّة هي علامة الوحدة. وعلى المعمّد أن يعيشها مع أخيه المؤمن كما الله أحبّنا وبذل إبنه الوحيد من أجل خلاص البشريّة. إنّ محبّة الإنسان هي محبّتنا لبعضنا البعض (يو 3: 16 و 13: 1- يو 13: 34)؛ فهذه المحبّة المتبادلة هي أساس البشرى السارة والتبشير بيسوع المسيح، هي محبّة الله للإنسان ومحبّة المسيح للبشرية كما محبّة المؤمنين لبعضهم البعض والتي تساهم في التعرّف على الله والمسيح (يو 13: 35).
- تتطلّب الأنجلة الجديدة عيش الكلمة وتحقيقها بالمثل قبل إعلانها والتبشير بها. فهذه الكلمة يجب أن تكون للمؤمنين المسيحيين في لبنان والشرق (لمسيحيي لبنان والشرق) نورًا لعيونهم وعقولهم وضمائرهم وتُمسي برنامجًا لمسيرتهم المسيحيّة فتطال كلّ مؤمن من إكليروس وعلمانيين فيعيشون بطريقة واقعية وعمليّة ومنفتحة. فالكلمة أي كلمة الحياة هي التي تحيي حياة المؤمن وتجعله يتواصل مع المسيح من خلال حضوره الدائم، لا سيّما من خلال سرّ الإفخارستيّا وعمل الرّوح القدس.
فعلى المسيحيين المشرقيين أن يتعلّقوا بالسيّد المسيح الذي يحييهم ويقوّيهم ويقودهم نحو الأمان والسلام، بالرغم ما يختبرونه ويعيشونه من خوف ويأس، وما يتعرّضون له من الإرهاب والقتل والشرذمة، وما يشنّ عليهم من حروب متنوّعة وبشتى الوسائل والطرق المتعدّدة، كما تعرّضهم الدائم للإضطهاد والتهجير بسبب هويتهم المسيحيّة وانتمائهم لكنيسة المسيح. " لا تخف أيّها القطيع الصغير" (لو 12: 32).
كلمة الحياة تهب المؤمنين الغبطة والفرح والسلام الداخلي؛ من هنا أهمية أن يؤمن المسيحي بالسيّد المسيح ويتعلّق به لأنّه سيّد الرجاء والحياة. إنّ دخول العولمة والتكنولوجيا والإكتشافات العلمية عالم اليوم لا سيّما بلاد الشرق الأوسط، من خلال وسائل الإتصال والتواصل، أدّى إلى تشويه في ذهنية بعض مسيحيي الشرق وثقافتهم، لقد باتوا يعتقدون أنّ عيش الدين وممارسته هو تقاليد بالية وعادات مزمنة.
فبعض المسيحيين لا سيّما غير الممارسين لإيمانهم، سيطرت عليهم الذهنية "الغربية" التي تعتبر أنّ الدين لا فائدة منه لكونه عائقًا للتقدّم العلميّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ. زِد على ذلك اللّامبالاة والتمسك بالعلمنة المزيّفة والمناداة بالانفتاح المتفلّت تحت غطاء نبذ التعصّب والطائفية البغيضة، هذه الدعوات أدّت، في بعض الأحيان، إلى الإلحاد المقنّع أو الصمت مقابل متطلبات الإيمان وعيشه في بيئة تسودها في بعض الأحيان التناقضات والتفلّت الأخلاقي والانقسامات والمنازعات على أكثر من صعيد.
على مسيحيي الشرق لا سيّما الذين يعيشون في بعض الأحيان إيمانًا سطحيًّا وتقليديًا وظاهريًّا أن لا يأخذوا بتلك الدعوات التي ذكرناها آنفًا كي لا تشكّل سببًا مباشراً أو غير مباشر في تراجعهم أو انكفائهم أو تأثّرهم في طريقة عيش إيمانهم.
يُطلب من المسيحيين عدم الشكّ في قيمهم الدينيّة بالرغم من تعدد الكنائس الشرقيّة، والتي ما زالت تناضل من أجل وحدتها. إنّ التقاعس في إعلان الإيمان وعيشه لا يعود فقط إلى فقدان الإيمان، وإنّما أيضًا إلى الرتابة والجمود والتفلّت من تعاليم الكنيسة التي تشمل الأخلاق والعائلة والزواج والمسائل الخلقيّة والنظرة إلى الإكليروس وممارستهم لرعايتهم ولدورهم في الكنيسة والمجتمع، كما الهوّة بين الرعاة والمؤمنين لأسباب عديدة.
زِد على ذلك التغيير الواضح والسريع في حياة أفراد المجتمعات المأخوذين بالمظاهر الخارجية، والماديات، والنمط الاستهلاكي والتفلّت الأخلاقي، والنظرة الملتوية إلى العائلة والزواج، والتقوقع والانغلاق وتأثير المخدّرات وهيمنة الإعلام والإعلان وحركة الاتصالات والتواصل السريعة، كما الضياع في صفوف المراهقين والشباب، بالإضافة إلى تفكّك العائلات، وهجرة الأزواج.
- إنّ بعض مسيحيي الشرق عاشوا في بيئة منغلقة أو ضمن أنظمة قاسية وجائرة أو دخلوا في نظريات معقدة أو حركات إيمانية غير صحيحة بكلّ معنى الكلمة، الأمر الذي عزّز لديهم فكرة الإستسلام لحياة التقوقع والعزلة والبُعد عن تطوّر العالم الفكري والاجتماعي، ممّا دفع بهم للهروب نحو الأمام؛ وأحيانًا تأججّ في حياتهم رد فعل سلبي دفعهم إلى تغيير وتصحيح أوضاعهم من خلال التفلّت من بعض قيود الدين، ممّا أدّى إلى إبتعادهم عن الكنيسة وتراجع إيمانهم التصاعدي.
إنّ حالة هؤلاء المسيحيين خلقت علامات شكّ ومثالاً سيّئًا وحجر عثرة أمام المؤمنين المسيحيين وغير المسيحيين، فأتى تديّنهم فارغًا من كلّ محتوى صحيح، وعدم إخلاصهم لهويتهم ولإنتمائهم للسيّد المسيح وللكنيسة. يُطلب من هؤلاء المسيحيين أن يكونوا شهودًا للمسيح ولإنجيله وأن يكونوا مبشرين بكلمة الحياة والحقّ وإلاّ صارت حياتهم غير مطابقة لمعموديتهم
الأب نجيب بعقليني