رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي «أضواء
بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي الذي يُحتفل به في الأحد الأخير من شهر تشرين الأول من كل عام وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة كتب فيها: يشكّل اليوم الإرسالي العالمي مناسبة مميّزة يلتزم خلالها مؤمنو القارات العديدة بالصلاة وأعمال تضامن ملموسة لدعم الكنائس الفتيّة في أراضي الرسالات. إنه إحتفال نعمة وفرح وبالتالي حول فرح يسوع والتلاميذ المرسلين أودّ أن أقدّم أيقونة بيبليّة نجدها في إنجيل القديس لوقا (راجع لوقا 10، 21- 23).
تابع البابا فرنسيس يقول: يخبرنا الإنجيليّ أنّ الرّبّ أرسل الإثنين والسبعين، إثنين إثنين، إلى المدن والقرى ليعلنوا إقتراب ملكوت الله ويحضّروا الناس للقاء يسوع. وعندما أتمّوا رسالتهم هذه، رجع التلاميذ فرحين: فالفرح هو الموضوع الذي يطغي على هذه الخبرة الرسولية الأولى والتي لا تُنسى. فقال لهم المعلّم: "لا تَفرَحوا بِأَنَّ الأَرواحَ تَخضَعُ لَكُم، بلِ افرَحوا بِأَنَّ أَسماءَكُم مَكْتوبَةٌ في السَّموات. وفي تِلكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ بِدافِعٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس فقال: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ" (...) ثُمَّ التَفَتَ إِلى التَّلاميذ، فقالَ لَهم على حِدَة: "طوبى لِلعُيونِ الَّتي تُبصِرُ ما أَنتُم تُبصِرون" (لوقا 10، 20- 21. 23).
لقد فرح التلاميذ بالقدرة على تحرير الناس من الأرواح الشريرة، لكنّ يسوع نبّههم بألاّ يفرحوا بالسلطان الذي نالوه وإنما بالمحبة التي يحظون بها وقال لهم: "إفرحوا بأنّ أسماءكم مكتوبة في السموات" (لوقا 10، 20). في الواقع فقد أُعطيت لهم خبرة محبة الله وإمكانية مقاسمتها.
وخبرة التلاميذ هذه هي سبب فرح وامتنان قلب يسوع الذي "تهلّل بدافع من الرّوح القدس" ورفع الحمد والشكر للآب. إنها لحظة فرح حميم تنبع من محبة يسوع العميقة كإبن تجاه أبيه، ربّ السماء والأرض الذي أخفى هذه الأشياء عن الحُكماء وكشفها للصغار (راجع لوقا 10، 21).
أضاف الحبر الأعظم يقول: إنّ قول يسوع: "نعم يا أبت هذا ما كان رضاك" (لوقا 10، 21) يجب فهمه انطلاقًا من فرحه الداخلي، إذ أنّ الرضى يشير إلى مشروع الخلاص والمحبة الذي أراده الآب للبشر. وبالتالي يذكّرنا الإنجيلي لوقا بفرح مريم المشابه: "تعظّم الرّبّ نفسي وتبتهج روحي بالله مخلّصي" (لوقا 1، 47).
إنها البشرى السارّة التي تقود نحو الخلاص. فمريم بحملها ليسوع في أحشائها، المبشِّر بامتياز، التقت بأليصابات وتهلّلت بالروح وأنشدت "تعظّم نفسي الرّبّ". ويسوع عندما رأى نجاح رسالة تلاميذه وفرحهم تهلّل بالرّوح ورفع صلاة الحمد للآب. وفي الحالتين نجد أنفسنا أمام فرح من أجل الخلاص الذي يتحقق.
فالآب هو مصدر الفرح، والإبن هو ظهوره والرّوح القدس محرّكه. وبعد أن رفع الحمد للآب، يخبرنا الإنجيلي متى أنّ يسوع يدعونا قائلاً: "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم. اِحمِلوا نيري وتَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب، تَجِدوا الرَّاحَةَ لِنُفوسِكم، لأَنَّ نِيري لَطيفٌ وحِملي خَفيف" (متى 11، 28- 30).
فـ"فرح الإنجيل يملأ قلب وحياة جميع الذين يلتقون بيسوع، والذين يسمحون له بأن يخلّصهم، يتحررون من الخطيئة والحزن والفراغ الداخليّ والإقصاء. لأنّ مع يسوع يولد الفرح مجدّدًا ودائمًا" (الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل، عدد 1).
تابع الأب الأقدس يقول: "إنّ خطر العالم الحالي، مع عرض الإستهلاك المتعدّد الأوجه والسائد، هو التعاسة الفرديّة التي تنبع من قلب مُترَف وبخيل، ومن بحث مريض عن ملذات سطحيّة ومن الضمير المنعزل" (الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل، عدد 2).
وبالتالي فالبشرية تحتاج للإستقاء من الخلاص الذي حققه المسيح، والتلاميذ هم الذين عليهم أن يسمحوا لمحبة يسوع أن تمتلكهم وتطبعهم بالحماس من أجل ملكوت الله ليكونوا حَمَلة فرح الإنجيل.
جميع تلاميذ الرّبّ مدعوون ليغذوا فرح البشارة، وفرح الإنجيل ينبع من اللقاء بالمسيح والمقاسمة مع الفقراء، وبالتالي أشجع الجماعات الراعوية والجمعيات والمجموعات على عيش حياة أخويّة مبنيّة على محبة يسوع ومتنبّهة لحاجات الأكثر عوزًا. فـ"الله يحبّ مَن يعطي متهللاً" (2 كور 9، 7).
واليوم الإرسالي العالمي هو مناسبة أيضًا لإعادة إحياء الرغبة والواجب الخُلُقي في المشاركة الفرحة بالرسالة إلى الأمم. والمساهمة الاقتصادية الشخصيّة هي علامة تقدمة الذات أولاً للرّبّ وثانيًا للإخوة فتصبح التقدمة المادّية أيضًا أداة بشارة لبشريّة تُبنى على المحبة.
وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي بالقول: لا نسمحنَّ لأحد بأن يسلبنا فرح البشارة! أدعوكم للغوص في فرح الإنجيل ولتغذية محبة باستطاعتها أن تنير دعوتكم ورسالتكم. وأحثّكم لتتذكروا "الحبّ الأول" الذي بواسطته أدفأ الرّبّ يسوع المسيح قلب كل واحد منكم، لا من أجل الشعور بالحنين وإنما لتثبتوا في الفرح!
إذاعة القاتيكان