رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي 2013 «أضواء
بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي الذي يُحتفل به في الأحد الأخير من شهر تشرين الأول من كل عام وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة كتب فيها نحتفل هذه السنة باليوم الإرسالي العالمي بينما تُختَتم سنة الإيمان، مناسبة مهمّة لتعزيز صداقتنا مع الرب ومسيرتنا ككنيسة تعلن الإنجيل بشجاعة. ومن هذا المنطلق أود أن أقترح بعض التأملات.
الإيمان عطيّة ثمينة من الله، الذي يفتح عقلنا لنتعرّف عليه ونحبّه. هو يريد أن يدخل في علاقة معنا ليشاركنا بحياته ويعطي معنى لحياتنا ويجعلها أفضل وأجمل. الله يحبنا! والإيمان عطية تُمنح لنا بسخاء. على الجميع أن يختبروا فرح الشعور بأنهم محبوبون من الله، فرح الخلاص! إنه عطيّة لا يمكننا أن نحتفظ بها لأنفسنا وإنما يجب علينا أن نتقاسمها.
فإعلان الإنجيل يشكل جزءًا من كوننا تلاميذًا للمسيح وهو التزام مستمر ينعش حياة الكنيسة بأسرها. والاندفاع الرسولي هو علامة واضحة لنضوج الجماعة الكنسيّة. فكل جماعة هي "بالغة" عندما تعلن الإيمان وتحتفل به بفرح في الليتورجية، تعيش المحبة وتعلن بلا توقف كلمة الله وتخرج من "حظيرتها" لتحملها إلى "الضواحي" لاسيما للذين لم تسنح لهم الفرصة بعد لمعرفة المسيح.
تابع البابا فرنسيس يقول: إن سنة الإيمان هي حافز ليكون للكنيسة بأسرها يقين متجدّد لحضورها في العالم المعاصر ولرسالتها بين الشعوب والأمم. فالرسالة ليست مسألة أراضي جغرافيّة، وإنما مسألة شعوب وثقافات وأفراد، وذلك لأن "حدود" الإيمان لا تجتاز فقط الأماكن والتقاليد البشريّة، وإنما قلب كل رجل وامرأة، كما يشدّد المجمع الفاتيكاني الثاني بشكل خاص على أن الواجب الرسولي، واجب توسيع حدود الإيمان هو واجب كل معمّد وواجب الجماعات المسيحيّة كلها: "بما أن شعب الله يعيش في جماعات، ولا سيما ما كان منها أبرشياً وراعوياً، وبما أنه لا يظهر نوعاً ما عياناً إلاّ في هذه الجماعات نفسِها، فإلى هذه الجماعات يرجع أمر تأدية الشهادة للمسيح أمام الأمم" (قرار في نشاط الكنيسة الإرسالي، عدد 37).
تابع البابا فرنسيس يقول: غالبًا ما يواجه عمل البشارة حواجز ليس من الخارج فقط وإنما من الداخل أيضًا من الجماعة الكنسيّة عينها. وأحيانًا يضعف الحماس والفرح والشجاعة والرجاء في إعلان رسالة المسيح للجميع ومساعدة رجال عصرنا للقاء به، وأحيانًا أخرى يبدو أن حمل حقيقة الإنجيل يشكل انتهاكًا للحريّة.
وبهذا الصدد كتب البابا بولس السادس: "حقيقة أنه من الخطأ أن نفرض أي أمر جبراً على ضمائر أخوتنا. ولكن الحال يختلف تماماً عندما تعرض على الضمير الحقيقة الإنجيلية والخلاص بيسوع المسيح، في صراحة تامة واحترام مطلق للاختيارات الحرة التي سوف يفاضل الضمير بينها... إنها إكرام لهذه الحرية" (الارشاد الرسولي إعلان الإنجيل، عدد 80). علينا أن نتحلّى دائمًا بالشجاعة والفرح لنقترح اللقاء بالمسيح باحترام، ونصبح حملةً لإنجيله. فيسوع قد جاء بيننا ليرشدنا إلى درب الخلاص وأوكلنا مهمة أن نرشد الجميع إليها حتى أقاصي الأرض.
البشارة ليست عملاً منعزلاً وفرديًّا بل هو كنسيّ دائمًا، كما كتب البابا بولس السادس: "فعندما يقوم الواعظ، مهما كان بسيطاً، أو معلم الدين أو الراعي، في جهة نائية بالكرازة بالإنجيل، ويجمع شمل جماعته الصغيرة، أو يمنح سراً من أسرار الكنيسة، ولو كان بمفرده، فإنه يقوم بعمل من أعمال الكنيسة ويكون تصرفه بصفة أكيدة، بفضل علاقات تنظيمية ولكن أيضاً بمقتضى روابط غير منظورة وجذور عميقة مشتقة من تدبير النعمة، متصلاً بنشاط البشارة الذي تتولاه الكنيسة جمعاء.
وهذا بفرض أن يقوم بذلك ليس بمقتضى رسالة ينسبها إلى نفسه، أو بإلهام يأتيه شخصياً، وإنما يعمل بالاتحاد مع رسالة الكنيسة وباسمها هي" (الارشاد الرسولي إعلان الإنجيل، عدد 60). وهذا ما يعطي قوة للرسالة ويجعل كل رسول ومبشر يشعر بأنه ليس وحده أبدًا بل هو جزء من جسم واحد يحركه الروح القدس.
ففي عصرنا، تابع الأب الأقدس يقول، مزج التنقل المنتشر وسهولة التواصل بين الشعوب والخبرات من خلال وسائل الاتصال الجديدة. فبسبب العمل تنتقل عائلة بأسرها من قارة إلى أخرى، كما تؤدي السياحة أيضًا وظواهر شبيهة أخرى إلى تحرك واسع للأشخاص. فيصبح أحيانًا من الصعب للجماعات الراعوية أن تمييز بشكل أكيد وعميق بين عابر السبيل والمقيم.
زد على هذا أن هناك جزء كبير من البشريّة لم تصله بعد بشرى يسوع المسيح السارة. ونعيش في أزمة تطال مختلف قطاعات الوجود، ولا تقتصر فقط على الاقتصاد والمال والأمن الغذائي، بل تشمل أيضًا المعنى العميق للحياة والقيم الأساسيّة التي تحركها.
لذا وفي ضوء هذا الوضع المعقد، من الملح أن نحمل بشجاعة للجميع إنجيل المسيح الذي هو إعلان رجاء ومصالحة وشركة، إعلان لقرب الله، لرحمته وخلاصه، إعلان يؤكد لنا أن قوة محبة الله قادرة أن تغلب ظلمات الشر وتقودنا على درب الخير. لنحمل لهذا العالم بشهادتنا ومحبتنا الرجاء الذي نلناه من الإيمان!
فالكنيسة ليست شركة ولا منظمة غير حكوميّة بل جماعة أشخاص يحركها عمل الروح القدس، يعيشون دهشة اللقاء بيسوع المسيح ويرغبون بمشاركة خبرة الفرح العميق هذه ومشاركة رسالة الخلاص التي حملها الرب لنا.
تابع البابا فرنسيس يقول أرغب في تشجيع الجميع ليكونوا حملة لبشرى المسيح السارة، وأشكر بشكل خاص المرسلين والمرسلات، الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين الذي يقبلون دعوة الرب لهم ويتركون أرضهم لخدمة الإنجيل في أراض وثقافات مختلفة. فالإجابة على وصية يسوع: "إذهبوا وتلمذوا جميع الشعوب" هو غنى لكل كنيسة خاصة، لكل جماعة وإعطاء مرسلين ومرسلات ليس خسرانًا أبدًا وإنما ربح.
لذلك أدعو الذين يشعرون بهذه الدعوة ليجيبوا بسخاء على صوت الروح بحسب دعوتهم وألا يخافوا من أن يكونوا أسخياء مع الله. كما وأدعو الأساقفة والجماعات الرهبانية وجميع الجماعات والحركات المسيحية لدعم الدعوات الإرساليّة ومساعدة الكنائس التي تحتاج لكهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين لتعزيز الجماعة المسيحيّة.
كما وأحث المرسلين والمرسلات، لاسيما الكهنة والمؤمنين العلمانيين ليعيشوا بفرح خدمتهم الثمينة هذه في الكنائس التي يُرسلون إليها ويحملوا فرحهم وخبرتهم إلى الكنائس التي ينتمون إليها، متذكرين كيف أخبر بولس وبرنابا الجميع لدى عودتهما من زيارتهما الرسولية "بكل ما أجرى الله معهما وكيف فتح باب الإيمان للوثنيين" (أع 14، 27).
ختامًا، تابع البابا فرنسيس يقول، أتوجه بفكري إلى المسيحيين الذين يعيشون في مختلف أنحاء العالم ويجدون صعوبة في إعلان إيمانهم بحريّة وعيشه بكرامة. إنهم إخوتنا وأخواتنا، شهود شجعان يحتملون بثبات رسولي مختلف أنواع الاضطهادات ويخاطرون بحياتهم ليحافظوا على أمانتهم لإنجيل المسيح. لذا أرغب بالتعبير عن قربي بالصلاة من الأشخاص والعائلات والجماعات التي تعاني من العنف وانعدام التسامح وأكرر لهم كلمات يسوع المعزيّة: "تشجعوا، أنا غلبت العالم" (يو 16، 33).
لقد كان البابا بندكتس السادس عشر يحث قائلاً:" ليتابع كلام الرب جريه ويكون له من الإكرام ما كان له عندكم" (2 تس 3، 1): لتوطد سنة الإيمان هذه العلاقة بالمسيح الرب لأن فيه وحده نجد الثقة للنظر نحو المستقبل وضمانة حب حقيقي وثابت" (باب الإيمان، عدد 15). أبارك من كل قلبي المرسلين والمرسلات وجميع الذين يرافقون ويدعمون التزام الكنيسة الأساسي هذا لكي يدوي إعلان الإنجيل في زوايا العالم، ونختبر نحن خدمة الإنجيل والمرسلون: "فرح حمل البشارة اللطيف والمعزي" (إعلان الإنجيل، عدد 60).
إذاعة الفاتيكان