حب على الطريق (1): دعوتك باسمك. لقبتك وانت لست تعرفني «أضواء

تحديد مفهوم الدعوة: الدعوة عادةً تكون موجهة من قبل شخصٍ ما إلى شخصٍ آخر. اذ إني لا أستطيع ان ادعوا احداً إلى زيارتي ما لم أكن أعرفه معرفة مسبقة. اذ ان الدعوة صادرة نتيجة علاقة قائمة على المحبة والتواصل. قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك (ارميا1/5) ما هو سبب وجودنا في الحياة؟ أليس وجودنا دعوة من الله؟ دعوتك باسمك. لقبتك وانت لست تعرفني (ارميا4/5-4) ورأى يسوع نثنائيل مقبلا اليه فقال عنه هوذا اسرائيلي حقا لا غش فيه. 48 قال له نثنائيل من اين تعرفني؟. اجاب يسوع وقال له: قبل ان دعاك فيلبس وانت تحت التينة رأيتك. (يو1/48)

إن المجمع الفاتيكاني الأول يقول "خلق العالم لمجد الله"،"مجد الله هو الإنسان الحيّ، وحياة الإنسان معاينة الله"(القديس إيريناوس) فسبب الخلق هي المحبة. الله عندما خلق الكون نلاحظ انه إستعمل كلمة "كن" وهي فعل أمر دعا من العدم إلى الوجود ليكن نور، وقال الله ليكن جلد، وقال الله لتكن انوار في جلد السماء، لكن حين صنع الأنسان نلاحظ ان هنالك تحول من صيغة الأمر في الأحداث إلى صيغة التحاور 26 وقال الله لنصنع الانسان على صورتنا كمثالنا. (تكوين 3/26) فخلق الله الانسان على صورته. إن هذا التحول في قصة الخلق يظهر لنا مدى تميز الأنسان عن باقي المخلوقات. فيتخايل لي ولو أن الله، الخالق، يقول لي أنا المخلوق كن، أريدك، أحبك لكن اترك لك الخيار إما ان تنفتح عليّ انا الحب أو ان تنغلق على ذاتك.

 وهذا ما يميز الأنسان بعلاقته بالله، ألا وهي أن الله يريد أن يشارك الأنسان حبه لكن بحرية هذا الأخير. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتمتع بالحرية. فإما يختار نفسه وبالتالي يجعل نفسه هدف حياته وغايتها واعتبرها مركز الجاذبية الوحيدة في حياته فيسقط في هاوية الأنا التي حفرها بنفسه، وبالتالي ينغلق على ذاته ويعزل نفسه ويبتعد عن الله تماماً مثل آدم وحواء، او يتجاوب وينفتح على الله الماء الحي والحياة الأبدية فيسعى بالتالي إلى سماء جديدة وأرض جديدة (أشعيا 6/5-17). فالمدعو هو مدعو إلى الحب، والجميع أيضاً لأنهم موجودون، فبالتالي هم مدعون. تلبية الدعوة متوقفة على كل واحد منا إما يتجاوب معها إيجابياً، وإما سلبياً وبكل الأحوال هنالك تجاوب. وهذه الدعوة إلى الوجود هي دعوة مميزة خاصة بي "إني مدعو لأن أكون شخصاً ما أو أفعل شيئاً ما، لا أحد غيري مدعوّ إليه. عندي مكانة خاصة في مشروع الله على الأرض ولا أحد غيري لديه هذه المكانة"(الطوباوي جون هنري نيومن) ويؤكد القديس نعمة الله ذلك "لكل إنسان دعوته..." 

الدعوة حبٌ على الطريق:اذاً لكي أميز كيفية مبادلة الحب أي الله بالحب عليّ ان أسير مسيرة، كمسيرة الشعب اليهودي من أرض العبودية إلى أرض الميعاد، او كدعوة سمعان ورفاقه. وهنا أتوقف لأوضح ان ليس هنالك كلام على دعوة رهبانية في الكتاب المقدس بل كلمة تتلمذ واتباع (مت28/19، مر8/34، أع6/1-2). هنا نلاحظ ان جميع تلاميذ المسيح جمعتهم علاقة خاصة به وفريدة بهم. إذ بهم رأوا يسوع، سمعوه وساروا خلفه على الطريق وعلى الطريق كان ينشئهم. لذلك لكي أميز فرادتي وما يريده الله مني عليّ ان استشيره، عليّ ان أدخل في علاقة خاصة معه، حينها اعرف ذاتي وما يريده قلبي. دعاهم (مر2/14)، استدعاهم... فأقبلوا إليه فوراً (مر 3/13).

ونحن عادةً ما نستعمل الكلام للتواصل، مثلاً أني أتكلم الأن وأنتم تتلقون هذه الكلمات، البعض منكم يأخذها ويبدأ بالتجاوب معها داخلياً، اذ انكم توجهون قلبكم لي، فينتج عن ذلك صلة بيني وبينكم. البعض يتساءل عن سبب إعطائي لهذا المثل وكيف سيساعدني في سماع صوت الله؟ إن كلمة صلة تذكرني بالصلاة. الصلاة هي توجه القلب نحو الله. فمن يصلي يدخل في علاقة حية مع الله. (تعليم الكنيسة الكاثوليكية 2885-2565)  فيسوع كرس خلال وجوده القصير نسبياَ على الأرض وقتاً كبيراً من حياته للصلاة. يكفي أن نفكر بالسنوات الخفية التي يعطيها القديس لوقا وسمة تبيِّن نوعاً ما المحور الذي دارت حوله سنوات حياة يسوع الخفية "يجب أن أكون فيما هو لأبي" (لو 2) وكذلك في دنح يسوع، واعتلائه للخليقة عند نهر الأردن عندما ذهب للاعتماد على يد يوحنا نقرأ: وبينما كان يصلي وكذلك بعد العماد، قضى أربعين يوماً في الصوم والصلاة قبل بدء رسالته التبشرية. ومن ثم قبيل اختيار التلاميذ، يقول لنا الإنجيل أنه قضى الليل كله في الصلاة.

خرج يسوع إلى الجبل ليصلي: وأمضى الليل في الصلاة إلى الله" (لو 6/ 12). فكان من خلال الصلاة يكتشف مشيئة الله في حياته لتكن مشيئتك (متى 26/42). أما الرسل بعد أن أوضح يسوع رسالتهم ودعوتهم وعدهم بروحه القدوس لينطلقوا بدعوتهم لكن الروح القدس ينزل عليكم فتنالون قدرة وتكونون لي شهوداً في أورشليم... (أعمال الرسل 1/8). ونحن اليوم بعدما نلتقي بيسوع من خلال الصلاة سأشعر بفرح عظيم لدرجة أني أريد الجميع أن يختبر هذا الشعور، فتبدء شهادتي لحب الله لي فأحمل هذه البشرى السارة أي الإنجيل إلى العالم أجمع. فأصبح عضوًا في جسد المسيح رسالة بولس الرسول الاولى الى اهل كورنثوس 12.

الرجوع إلى العلية:الرسل بعد صعود يسوع رجعوا الى اورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب من اورشليم على سفر سبت. 13 ولما دخلوا صعدوا الى العلية التي كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثولماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا اخو يعقوب. 14 هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته. كذلك أنا اليوم، بعد أن عرفت يسوع معرفة شخصية عميقة من خلال الصلاة والأسرار المقدسة يجب أن أعرف كيف أعيش هذا الحب بملئه، هل ان أنشئ عائلة مسيحية، أو أكون كاهنًا، أو راهبًا؟  يجب أن أدخل إلى عليتي أي إلى ذاتي لكي اعرف الجواب.

في العلية سأنتبه إلى كياني الباطني من دون أن أكون أنانياً، فأصبح حاضراً لنفسي، فأصغي إلى ما يفرحني، وإلى ما يقلقني. حتى سأصغي إلى جروحاتي وضعفي، ومحدوديتي، سأتعرف إلى مواهبي، إلى الوزنات المعطاة لي. سأصغي إلى حوادث حياتي اليومية في عمق معانيها، فيصبح تاريخي ليس عبارةً عن أحداث اعتباطية غير مترابطة من دون معناً. كذلك ألآمي تصبح ألآم خلاصيه. مار بولس كل شيء يعود بالخير على الذين يتقون ويحبون الله. حينها يأتي الروح القدس ليحررنا ويشفينا وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. 3 وظهرت لهم السنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. 4 وامتلا الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا. (أعمل الرسل) فبعد تلك المسيرة انطلق من دون خوف إلى الأرض الذي يريني إياها الله وقال الرب لأبرام إذهب من ارضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك الى الارض التي أريك (تك 12/1)

Aleteia