توبتنا وتغيير حياتنا(1) «أضواء

"أقولُ لكُم: هكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطئٍ واحِدٍ يَتوبُ أكثَرَ مِنَ الفَرحِ بِتسعَةٍ وتِسعينٍ مِنَ الأبرارِ لا يَحتاجونَ إلى التَّوبَةِ" (لوقا 15/7).

فالخاطئ الذي يرجع إلى الله عن أفعاله الشريرة تتغير حياته تماما وبصدق. فلا يعيش حياة التوبة فقط... بل يجعل منها توبة صادقة ومستمرة لحياته. فهل تعرف ما هو الفرق؟

توبة الحياة هي أن نترك ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام. ننسى الماضي وننظر للمستقبل، فهو قرار بأن نغير مسار حياتنا بالكامل، من الظلمة إلى النور، من الخطيئة إلى البر، كما فعل القديس فرنسيس الأسيزي وغيره من القديسين والقديسات. هي لحظة التغيير، لحظة تتغير فيها كل حياتنا.

هل مررت بهذه التجربة؟ بهذا التغيير الجذري؟.. إنه قرار صعب. ستتساءل: "كيف أتخلى يوماً ما عن الخطيئة ، والتي أصبحت جزء من حياتي، من كياني، من ذاتي، ومن طبيعتي؟".

هناك الكثير من العثرات، سواء كانت إغراءات أو فرصاً لم تكن متاحة من قبل، حتى نضعف أمامها. ويمكن أن تكون البيئة احدى العوائق التي تعطل التوبة بما تقدمها من عثرات ومن مفاهيم خاطئة.

إنه أمر صعب للغاية: كيف أترك أصدقائي وصديقاتي الذين أقضي معهم أحلى أوقاتي؟. أنا أعرف أنهم يشجعوني على الخطيئة، لكني لا أستطيع أن اتركهم.. وهل معقول ألا يكون عندي أصدقاء؟.. هنا يقارن الخاطئ نفسه بمستويات أصدقاءه الضعفاء.

يظن مع هذه المستويات أنه في حالة حسنة لا تحتاج إلى توبة، أو تقف أمامه الأعذار، كأنه يقول "كل الناس هكذا.. هل أشذ عن الكل؟!"، المجتمع معظمه مبني على الرشوة وعدم الأمانة والسباق نحو السلطة. طبعاً ليس عذراً أن تكون الغالبية مخطئة. فقد كان نوح محتفظاً ببره في عالم كله شر. وكذلك كان يوسف الصديق وموسى النبي في أرض مصر، ولوط في سدوم.

يقول قائل: كيف أترك عملي؟ أنا أعرف أنه معثر وسبب أساسي في معظم أخطائي لكنني أحبه... لقد تعودت أن أسمع المديح من الذين حولي، ولا أطيق أن يتكلم أحد عني بالسوء...إلخ.

وتظهر ضعف شخصيته، بحيث يمكن أن ينقاد لوسط المحيط. والمفروض أن يكون للإنسان شخصيته الثابتة التي لا تنجرف مع الاتجاه العام. إن سمكة صغيره يمكن أن تقاوم التيار وتسير عكسه، لأن فيها حياة. بينما كتلة ضخمة من الخشب - قدر هذه السمكة مئات المرات - يمكن أن يجرفها التيار، لأنه لا إرادة لها. فكن قوي الشخصية، يمكنك أن تتوب. والرسول يقول "لا تشاكلوا هذا الدهر" (رو 12: 2).

صديقي، ابحث داخل نفسك ما هي الخطيئة المحبوبة لك؟ هل هي شهوة؟ هل هي كبرياء؟ أم ...هل تستطيع أن تضّحي وتترك خطيئتك المحبوبة من أجل المسيح؟ هل فعلاً تريد الحياة مع المسيح؟

إن أجبت بلا... لن أظلمك.. فأنت عندك كل الحق في قولك هذا.. لأنه أمر مستحيل بطبيعتنا البشرية.. لكن في نفس الوقت.. كيف تغير القديس فرنسيس وغيره من القديسين؟ ماذا فعل كل شخص آخر كان يعيش تحت  سجن الخطيئة وأوحالها؟.

ببساطة هؤلاء الأشخاص قرروا أن يستبدلوا حياتهم بحياة أخرى، قرروا التغيير ولكن ليس بقدرتهم الذاتية، بإرادتهم نعم أرادوا، لكن ليس بقوتهم.. بدأوا توبة حياة بأن يعطوا حياتهم بالكامل للمسيح ليدخل حياتهم ويغير قلوبهم.

هناك حيل يختلقها العالم من حولنا ، ودخلت في صميم تصرفاتنا اليومية مثل:

1- التأجيل: إن الشرير لا يحاربك حرباً مكشوفة بالامتناع عن التوبة، بل يدعوك إلي التأجيل بتقديم اعتذارات معينة.

وللتأجيل خطورات منها: إن فرض التوبة قد لا يكون له مفعول. وكذلك فإن الخطيئة كلما استمرت، تأخذ سلطاناً وتثبت أقدامها. وربما بالتأجيل مجرد الرغبة في التوبة لا توجد والتأثيرات الروحية التي تدفع إليها قد تفقد مفعولها.

2- اليأس: والشعور بأن التوبة صعبة وغير ممكنه. وكما يقول يوحنا الدرجي: إن الشياطين قبل السقطة يقولون لك إن الله رؤوف ورحيم. أما بعد السقطة فيقولون إنه ديان عادل، ويخوفونك لتيأس من مغفرة الله فلا تتوب.

3- البر الذاتي، الذي فيه لا يشعر الإنسان إنه مخطئ.

* والتوبة هنا تعني ببساطة "الرجوع الى الله"، وليس أن أترك الخطيئة فقط، فترك الخطيئة والتخلي عنها هو نتيجة للتوبة.

مثال واضح لتوبة الحياة: الابن الضال في إنجيل لوقا الفصل 15

بمفهومنا الخاطئ عن التوبة كان على هذا الابن ليصلح موقفه أن:

- يرجّع كل الذي أخذه من أبيه عند رجوعه.

- أن يقدم اعتذار رسمي أمام كل أهل البلدة التي أهان أبيه أمامها ليكون من حقه الدخول أصلاً للمنزل.

- أن يرجع بصورة تليق به للعودة والوقوف أمام أبيه العظيم هذا.

- وأن وأن وأن... كثير من الأمور التي يتطلبها المجتمع الوثني القاسي فكل هذا كان مستحيل أن يفعله الابن والسبب لأنه لا يستطيع لكثرة خجله، وحتى لا تفتضح أعماله أمام أهل بيته وهذا هو عجز الإنسان.

ولكن مع المسيح لا يريد كل هذه التعقيدات، ببساطة فقط أن يرجع نادماً عما فعل، فالأب الحنون هو الرب يقبله فرِحاً، ويستر أخطائه بل ويقيم له وليمة للاستعادة كرامته أمام عائلته ومجتمعه.

فالذي فعله الابن رجع لنفسه (التفكير الصحيح وإدراك واقعي) وقرر أن يرجع إلى أبيه ويقول له أخطأت (رد فعل للتفكير الصحيح يجب أن يكون هناك قرار صحيح) وبعدها نفذ. فقام وجاء إلى أبيه (الخطوة العملية لسر الاعتراف والمصالحة).

التوبة في حياة هذا الابن هي رجوعه إلى أبوه الذي سبقه ندامة على حياته وأدراك لعجزه وموته المحتم بدون أبيه فكر وقرر ونفذ.

وماذا كانت النتيجة.. لما رآه أبيه من بعيد ركض ووقع على عنقه وقبله وأمر بإخراج الحلة الأولى وخاتم في يده وحذاء في رجله وذبح للعجل المسمن وزينه وموسيقى واحتفال برجوع الابن، وليس لأن ابنه أصلح ما اقترفه من أخطاء.. لدى رجوعه.

إن التوبة هي حالة تغيير في القلب. هي نقطة تحول في حياة الإنسان.. هي تجديد للقلب.. هي حياة جديدة يحياها الشخص تختلف اختلافاً كلياً عن حياته الأولى في السقوط. يتبع...

الأب بيوس فرح ادمون