الوردية كنز يجب اكتشافه من جديد: «أضواء

...إن الوردية التي هي صلاةٌ لأجل السلام، كانت منذ القدم صلاة الأسرة وصلاة لأجل الأسرة. لقد مضت أيامٌ كانت هذه الصلاة محببة بنوع خاص إلى الأسرة المسيحية، وكانت تشجع جميع الأعضاء على أن يرتبطوا بعضهم ببعض، فيجب ألا نفقد هذا التراث الثمين. لذلك لا بد من العودة إلى تلاوتها في داخل الأسرة ولأجل الأسرة....

إن الأسرة الموحدة في الصلاة تبقى موحدة. إن الوردية قد جُعلت وفق التقليد القديم لأن تكون صلاةً تجمع بتلاوتها الأسرة كلها. إن أعضاء الأسرة عندما يلقون على يسوع نظرة إيمان، ينعمون بقدرة مجددة على أن ينظر بعضهم إلى وجوه بعض لكي يتبادلوا الأفكار، ويعيشوا عيشة التضامن ويتسامحوا وينطلقوا من جديد باتفاق المحبة التي يجددها فيهم روح الله.

إن المشكلات الكثيرة القائمة في داخل الأسر الحديثة، ولا سيما في أسر المجتمعات المتقدم اقتصادياً، لا تجد لها حلاً بسبب الصعوبة المتزايدة التي يلاقيها الأعضاء ليتبادلوا الأفكار بينهم، إنهم لا يتمكنون من الجلوس معاً، والأوقات القليلة التي يتلاقون فيها مأخوذة بمشاهدة صور التلفزيون. فإذا عادت الأسر إلى تلاوة المسبحة، أدخلت إلى حياتها العادية صوراً تختلف عنها كثيراً، إنها صور السرّ الذي يخلص أي صورة الفادي وصورة أمه الفائقة القداسة.

إن الأسرة التي تصلي، تحقق في داخلها بعض الشيء من مناخ بيت الناصرة، فأعضاؤها يُنصّبون يسوع في وسطهم، ويتقاسمون بينهم الأفراح والآلام، ويضعون بين يديه حاجاتهم ومشاريعهم ويقبلون منه الأمل والقوة على متابعة الطريق.

إنه لعمل حسنٌ ومثمرٌ أن نسلّم إلى هذه الصلاة أيضاً طريق نمو الأولاد. أليست الوردية الطريق الذي سلكه يسوع في حياته بدءاً من الحبل به إلى موته إلى قيامته إلى التمتع بمجده؟

إن صعوبة متابعة الأهالي لأولادهم في مختلف مراحل حياتهم تتزايد يوماً بعد يوم، ذلك لأن مجتمعنا الذي يتميز بالتقنية ووسائل الإعلام والعولمة، أصبح فيه كل شيء سريعاً جداً، وأن المسافة الثقافية بين الأجيال تتسع كل يوم أكثر فأكثر.

إن المعلومات المختلفة والخبرات غير المتوقعة تنهال على حياة الأطفال والفتيان، فيشعر الأهالي بالمشقة في مواجهة الأخطار التي يتعرضون لها. وليس من النادر أن يختبر الأهالي نتائج خيبة الأمل المؤلمة عندما يطّلعون على فشل أولادهم بسبب إغراءات المخدرات وجاذبية إيديولوجيات الملذات الجسدية غير المحدودة، والدوافع إلى العنف ونظريات عدم المعنى للحياة التي نحياها والاستسلام إلى اليأس.

ومما لا شك فيه إن صلاة الوردية لأجل أولادنا –أو بالأحرى مع أولادنا- ونحن نربيهم منذ صغرهم على قبول هذه الفترة اليومية التي تتوقف فيها الأسرة للراحة لأجل الصلاة، لا تقدم لهم الحل لجميع مشكلاتهم ولكنها توفر مساعدة روحية لا يستهان بها.

ويعترض بعضهم على المسبحة الوردية فيقولون أنها صلاةٌ لا توافق مزاج فتيان وشباب اليوم. إن هذا الاعتراض يأتي من الطريقة غير الموفقة التي تتلى بها الوردية. فإذا حافظنا على ترتيب الوردية الأساسي، فلا مانع من أن يتلوها الأولاد –في الأسرة أو مع الجماعة- بأساليب غنية بالشعارات الرمزية وبطريقة تسهل عليهم فهمها وتظهر لهم قيمتها. لماذا لا نجرب ذلك؟

إن رعاية الشباب لا تيأس أبداً، بل تبقى دوماً نشيطة وخلاقة وقادرة على أن تعمل بعون الله أعمالاً لها تأثير عميق في نفوسهم. إن الأيام العالمية للشبيبة قد أظهرت لي صواب هذه الفكرة. فإذا قُدمت المسبحة الوردية بأسلوب جيد، فإني متيقن أن الشباب أنفسهم قادرين على أن يثيروا دهش الراشدين الكبار عندما يجعلون الوردية صلاتهم ويتلونها بالحماسة التي تتميز بها أعمارهم.

أيها الإخوة والأخوات الأحباء، إن صلاة الوردية التي تتمتع على السواء بالسهولة الرائعة والغنى العظيم، تستحق فعلاً أن تكتشفها الجماعة المسيحية اكتشافاً جديداً. فلنقم بهذا العمل وخصوصاً هذه السنة، ولنقبل هذا العرض تأكيداً للخط الذي رسمه الإرشاد الرسولي Novo millennio ineunte والذي استوحت منه كنائس كثيرة أفكاراً عدة للقيام بمشاريعها الرعوية بهدف وضع مخطط لإلتزاماتها في المستقبل القريب.

إني أتوجه إليكم بنوع خاص أيّها الإخوة الأحبّاء في الأسقفية، وأيها الكهنة والشمامسة، وأيها العاملون في المجالات الرعوية والملتزمون بالخدمات المتنوعة، حتى إذا ما اختبرتم شخصياً جمال الوردية، تنشرون تلاوتها بكل ما أوتيتم من نشاط.

وإني أتحدث إليكم أيها اللاهوتيين، وأطلب منكم أن تقوموا بتفكير دقيق وحكيم معاً مؤسس على كلام الله، وواعٍ لحياة الشعب المسيحي، تظهرون فيه ما لهذه الصلاة التقليدية من أسس كتابية وغنىً روحي وقيمة رعوية.

وإني أعتمد عليكم أيها المكرسون، رجالاً ونساءً، أنتم المدعوين دعوة خاصة إلى التأمل في وجه المسيح على مثال مريم.

وإني ألتفت إليكم أيها الأخوة والأخوات من كل طبقة، وإليكِ أيتها الأسرة المسيحية، وإليكم أيها المرضى والعجزة، وإليكم أيها الشباب: إتّخذوا المسبحة بثقة بين أيديكم واكتشفوها من جديد على ضوء الكتاب المقدس بالوفاق مع الليتورجية وفي إطار الحياة اليومية.

أملي ألا يبقى ندائي دعوة ضائعة في مهب الريح.....

من الإرشاد الرسولي للبابا القديس يوحنا بولس الثاني 2002