الميلاد: نظرة متجدّدة لحياتنا كيف يجعلنا المسيح نغيّر نظرتنا؟ «أضواء

اليوم جميعنا بعيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح له المجد. هل يحملُ هذا الحدث معنىً لحياتِنا في كلّ سنة؟ هل يولدُ المسيح في حياتنا؟ وعندما نقول كلمة "يولَد" فإننا نقصد ولادة حقيقة، وليست نوعًا من الكلمات الجميلة التي نقولها أو نتلوها أو نرتلها في مواعظنا وتراتيلنا وأحاديثنا بهذه المناسبة الجميلة. فكيف "يولَد" المسيح في حياتنا اليوم؟ هذا هو السؤال الجوهري.

سنركّز في كرازتنا هذه على نقطة ستساعدنا على إجابة هذا السؤال وهي نظرتنا الشخصية لأنفسنا وللآخرين ولله ولكل ما هو حولنا في الحياة. فالمسيح بولادته وتجسده، أي بوجوده معنا، أعطانا نظرة جديدة ومتجددة إلى أنفسنا وحياتنا، وبذلك غيّر نظرتنا أيضًا إلى الآخرين ممن تربطنا معهم علاقة، وإلى الله الذي نؤمن به ولكننا نحمل عنه صورًا خاطئة بحاجة إلى تصحيح وتجدد دومًا.

لكل إنسان على وجه الأرض نظرته الخاصة، وهي ناتجة بالأساس من المفاهيم التي أخذها عن الحياة منذ صغره في محيطه العائلي ثم المدرسي ثم المجتمعي...  فكل ما تعلّمه في الصغر يسهم في تكوين نظرته عن الحياة في المستقبل سلبيًا أو إيجابيًا. 

ونظرة الإنسان هذه هي التي تتحكم في طبيعة أفعاله وأعماله: فإذا نظر إلى الحياة كأنها غابة يتصارع فيها الأقوى مثلاً، كان تعامله مع الآخرين عنيفًا خاليًا من الرحمة... أما إذا كانت نظرته إليها بأنها مكانٌ يعيش فيه البشر بسلام، فإننا نتوقع منه كل عمل خير... كما تتحكم نظرة الإنسان إلى نفسه في تحديد نظرته للآخرين ولله ولكل ما هو حوله. فإذا كانت نظرته إلى نفسه صحيحة، استطاع أن يكوّن علاقة صحيحة مع الآخرين ومع الله، أما إذا كانت خاطئة، فلن يستطيع أن يكوّن أي علاقة صحيحة. فكل شيء في حياتنا الشخصية إذًا معتمد على نظرتنا للأمور.

فنقطة الانطلاق في التعامل مع أنفسنا هي نظرتنا إليها. وإذا أردنا إصلاح أنفسنا، فلابدّ أن نبدأ بتغيير نظرتنا عن الحياة، وتبنّي نظرة جديدة. وإذا أردنا إصلاح الآخرين، فعلينا اعطاءهم نظرة جديدة عن حياتهم وهذه النظرة كفيلة بأن تغيّر كل أفعالهم وأعمالهم. فنحن كثيرًا ما نحاسب الإنسان المقابل على عملٍ سيء وغير صالح قام به، ونطالبه بعدم تكراره مرة أخرى، وقد ننجح في ذلك ولكن لمراتٍ قليلة، لأننا لم نبالِ بمصدر هذا العمل وهو نظرة صاحبه التي ربما تحتاج إلى معالجة. فإذا نجحنا في علاجها، سيترك الآخر عمله السيء تلقائيًا. وهذا الكلام ينطبق أيضاً على تعاملنا مع أنفسنا أيضاً.

هذا ما كان يسوع يفعله مع كل من يلتقي به: يغيّر نظرته. والميزة الجوهرية للنظرة الجديدة التي كان يسوع يعطيها للآخرين هي المحبة. هكذا نظر يسوع إلى المرأة الزانية مثلاً وجعلها تغيّر نظرتها عن نفسها وعن الله من إله قاسٍ لابدّ أن يعاقبها على خطيئتها إلى إله كله رحمة وحنان ومغفرة.

وهناك أمثلة أخرى كثيرة في الانجيل نستطيع ذكرها من هذا المنطلق. ولكن فلنتساءل: كيف يجعلنا المسيح نغيّر نظرتنا؟ بكل بساطة نجيب: من خلال تبنّي نظرته هو إلى الحياة وإلى الإنسان وإلى كل شيء. ونظرته هذه نجدها خاصةً في خبرات من عاشوا معه فرأوه وسمعوه بآذانهم ولمسوه بأيديهم وهم تلاميذه الذين كتبوا الإنجيل "البشرى السارة".

ولذلك، علينا اليوم كجماعة كنسيّة أن نكتشف سويةً نظرة المسيح وهي نظرة عميقة وصحيحة كونها نظرة الله الخالق ذاته، ومن غير خالق الحياة وخالقنا يستطيع أن يعطينا نظرة صحيحة إليها وإلى أنفسنا وبعضنا البعض؟! فميلاد المسيح إذًا الذي نحتفل به في كل سنة يجعلنا دومًا نجدّد نظرتنا إلى الحياة، فنحاول مرة بعد مرة أن نتبنى نظرته. فوجوده معنا كإنسان من خلال تجسده غيّر وجه العالم بتغيير نظرة الناس إلى العالم...

ماذا نحتاج إذًا لنتبنّى نظرة المسيح في حياتنا؟ أن نتعلم "الإصغاء"، وهو اكتشاف المعنى العميق لكل ما نستلمه من خلال "السماع" بآذاننا. أن نتعلم "النظر" وهو اكتشاف المعنى العميق لكل ما نستلمه من خلال "البصر" بأعيننا. أن نتعلم "الصدق" في اكتشاف المعنى العميق لحياتنا. أن نتعلم "البحث" عن الله في حياتنا مؤمنين أننا سنجده وإن طال بحثنا مدة طويلة، وإن بدت أمورٌ كثيرة غامضةً وغير مفهومة بالنسبة إلينا. أن نتعلم "قراءة" كل ما يدور حولنا بعيون الله الجميلة، هذه العيون المغروسة في عمق إنسانيتنا. وأن نؤمن بأن "الله معنا" (عمّانوئيل) إيماناً مطلقاً على الرغم من كل الأحداث المروِّعة التي تمرّ بنا... هكذا "يولَد" المسيح في حياتنا اليوم!

موقع Aleteia