الله يستجيب للصلاة «أضواء

تحتفل الكنيسة في يوم 24 يونيو (حزيران) بمولد القدّيس يوحنا المعمدان، أي ستة أشهر قبل ميلاد يسوع في 25 ديسمبر (كانون الأول). ويعلّمنا الإنجيل أنّ قصة مولد يوحنا المعمدان ويسوع هي قصة إيمان وُلِد في قلب أبويهما فانفتح الجسد على نعمة الحياة أقوى من الوَحدة والجفاف والموت.

يبدأ لوقا إنجيله بقصة ميلاد عجيب، عذراء تحبل وتلد ابنًا وتسمّيه يسوع (لو1: 31)، ومَن كان يدعوها الناس عاقرًا تصبح أمًّا ليوحنا المعمدان. عمل الله حياة وفرح ونور، يسمع صلاة مريم التي تنتظر في الرجاء خلاصًا لشعبها (لو1: 54)، ويستجيب لصلاة زكريا وأليصابات اللذين يطلبان طفلاً ينير حياتهما ويزيل عن أمّه "العار من بين الناس" (لو1: 25). إتحدت في الصلاة إرادة مريم وزكريا وأليصابات بإرادة الله فكان لهم ما طلبوه. يريد الله لشعبه الحياة والحياة بفيض، ويستجيب لِمَن يطلبها بإيمان وثقة ورجاء.

ولكنّ نعمة الصلاة تكمن أساسًا في الإنفتاح على روح الله الذي يعطي الحياة بوجه مختلف عن توقّعاتنا وفي توقيت مختلف عن حساباتنا. حياته رحمة عظيمة على حياتنا، وسبب فرح وابتهاج لا يوصف، تفاجئنا حين نقول مع زكريا: "أنا شيخ كبير وامرأتي عجوز" (لو1: 18)، ضاع الأمل ولا يمكن أن نرجو ما كنا نتمناه من كلّ قلوبنا. لا تضيع صلاة أبدًا، فالله "سمع دعاءك" (لو1: 13)، بعدما ذهب الوقت ومرّ الزمن على المشاريع والأحلام الجميلة.

الله إله الحياة ويعطيها دائمًا أبدًا لكلّ مَن يطلبها بثقة وإيمان. وفي إنجيل لوقا، نجد إلحاحًا كبيرًا من قِبَل يسوع على الصلاة في كلّ حين، عكس الحسابات الموضوعيّة الصحيحة، عندما يحلّ صديق في منتصف الليل ولا نجد خبزًا نعطيه إيّاه، فنصرخ إلى صديق آخر أغلق الباب وذهب إلى الفراش مع أولاده، فيقوم ويعطينا لأنّنا طلبنا وألححنا في الطلب، "فمَن يسأل ينل، ومَن يطلب يجد، ومَن يدقّ الباب يُفتَح له" (لو11: 10)، ويجب "المداومة على الصلاة من غير ملل" (لو18: 1)، مثل الأرملة التي تتردد إلى القاضي الذي لا يخاف الله ولا يهاب الناس، طالبةً الإنصاف، فينصفها لا لأنّه صالح بل ليتخلّص من إزعاجها ومضايقتها له (لو18: 5).

"ما أولى أباكم السماوي بأن يهب الرّوح القدس للذين يسألونه؟" (لو11: 13)، "فكيف لا ينصف الله مختاريه الضارعين إليه ليل نهار؟ وهل يبطئ في الاستجابة لهم؟ أقول لكم: إنّه يسرع إلى إنصافهم، ولكن، أيجد إبن الإنسان إيمانًا على الأرض يوم يجيء؟" (لو18: 7-8).

مولد يوحنا المعمدان هو ثمرة صلاة لم تملّ ولم تكلّ طالبة الحياة والفرح والنور حتى بعد فوات الأوان. لم يجد الملاك جبرائيل إيمانًا في قلب زكريا حين أعلنه عن مولد يوحنا المعمدان (لو1: 20)، ولكنّ حياة الله ماضية في طريقها، وكلمته تأتي بالثمر الذي أُرسِلَت من أجله ولا ترجع إليه فارغة، "بل تعمل ما شئت أن تعمله وتنجح في ما أرسَلْتها له" (أش55: 11).

إذا طلبنا الحياة ولو مرّة واحدة في صلاتنا، يستجيب الله لها ويحققها بوجه عجيب يفرح له الجميع (لو1: 58). لم يأخذ أحد من قبل في عشيرة زكريا وأليصابات اسم يوحنا، ولكنّ حياة الله تخلق الجديد في واقعنا البشريّ، وتعطي خلاصًا من خلال طفل "ينمو ويتقوى في الروح" (لو1: 80). حياة الله وخلاصه وداعة وبساطة وعذوبة، لا يدركها إلاّ مَن يسمع صوت الرّوح القدس في أعماق قلبه ويترك نفسه تنقاد حسب الرّوح، فينفتح لسانه ليتكلم بكلمات الشكر والتسبيح والتمجيد لله (لو1: 64).

حياة الله نور وفرح وسلام، تظهر للعيون التي تتطهّرت بفضل صلاة واثقة يملأها الإيمان، وتولَد في القلوب التي انتظرت خلاص الله بكل رجاء مهما تعقدت الأمور وفات الوقت في حساب البشر. الله أمين وصادق، يستجيب لكلّ صلاة تطلب الحياة والخلاص، ويردّ عليها بوجه جديد عجيب لا تراه عيون العالم بل يظهر للودعاء والمتواضعين، المواظبين على الصلاة والرجاء.

بقلم الأب نادر ميشيل اليسوعيّ