الله يحاور صغرنا وضعفنا «أضواء

"لنحافظ على صغرنا فنتمكن من محاورة عظمة الرب" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القديسة مارتا بالفاتيكان وأكّد أن الرب يبني علاقة شخصيّة مع كلّ واحد منا ويحاورنا كأفراد ولا كمجموعة، فالرب يختار دائمًا الصغار وغير المقتدرين لأنه ينظر إلى تواضعنا.

تمحورت عظة الأب الأقدس حول العلاقة التي تجمع الله بالصغار، وقال إن علاقة الرب بشعبه هي علاقة شخصيّة، علاقة حوار بين شخصين، وليس حوارًا بين القدير والمجموعة، وإنما هو حوار شخصيّ. فالرب يكلّم كل منا كفرد، يختاره ويدعوه باسمه. ويظهر هذا من خلال قصة الخلق: فالرب نفسه جبل آدم ترابًا من الأرض بيديه وأعطاه اسمًا وهكذا بدأت العلاقة بين الله والإنسان. لكن هناك أيضًا علاقة بين الله والصغار، لأن الرب عندما يختار الأشخاص فهو يختار الصغار دائمًا.

لقد اختار الله شعبه لأنه "الأصغر" والأضعف بين الشعوب. هناك حوار بين الله والصغار، وهذا يظهر أيضًا عندما تقول العذراء: "لقد نظر الرب إلى تواضع أمته". الرب يختار الصغار، وهذا ما نراه بوضوح أيضًا في القراءة الأولى التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم من سفر صموئيل الأول: وقف صموئيل أمام ابن يسّى الكبير وقال في نفسه: "إِنَّ أَمامَ الرَّبِّ مَسيحَه؟" فقالَ الرَّب لِصَموئيل: "لا تَلتَفِت إلى مَنظَرِه وطولِ قامَتِه، فإِنِّي قد رَذَلتُه، لأَنَّه ليس كما يَنظُرُ الإِنْسان، فإنَّ الإنْسانَ إِنَّما يَنظُرُ إِلى العَينَين، وأَمَّا الرَّبُّ فإِنَّه يَنظُرُ إِلى القَلب". فمعايير الرب مختلفة، هو يختار الضعفاء والمتواضعين ليخزي سلاطين الأرض.

وهذا ما نراه أيضًا في القراءة الأولى فالرب اختار داود أصغر أبناء يسّى، الذي لم يحضره أباه ليمثل أمام النبي لصغر سنّه، بل أرسله ليرعى الغنم، لكن الرب اختاره، وعندما أرسل أبوه وأتى به قال الرب لصموئيل: "قُم فاَمسَحْه، لأَنَّ هذا هو"، فأَخذ صَموئيل قرن الدُّهن، ومسحه من بَينِ إِخوَته، فحَلَّ روح الرب على داود.

تابع الأب الأقدس يقول: لقد اختارنا الرب جميعًا بواسطة المعموديّة. جميعنا مختارون! اختارنا الله كلٌّ بمفرده ومنح كلاً منا اسمًا وهو يحفظنا. هكذا يحبنا الرب! يخبرنا الكتاب المقدس أن داود قد خطئ إلى الرب بعد أن أصبح ملكًا، لكنه عاد إلى نفسه وتصاغر أمام الله فاعترف بخطيئته، وطلب الغفران وتاب.

نقرأ في الكتاب المقدس أنه بعد خطيئته الثانية قال داود للرب:"أنا الذي خطئت وأنا الذي فعلت السوء وأما أولئك الخراف فماذا فعلوا؟ فلتكن عليّ يدك وعلى بيت أبي". وأضاف البابا يقول: بالتوبة والندامة والصلاة حافظ داود على صغره، وعندما أفكر بهذه الأمور وبالحوار الذي يقيمه الله مع ضعفنا أتساءل ما هي الأمانة المسيحيّة؟

الأمانة المسيحيّة، أي أمانتنا هي أن نحافظ ببساطة على صغرنا وتواضعنا لنتمكن من الحوار مع الله، لذلك فالتواضع والوداعة واللطف هي صفات أساسيّة في حياة المسيحي، لأنه بواسطتها يمكنه المحافظة على صغره الذي يطيب للرب أن ينظر إليه. ليمنحنا الرب بشفاعة القديس داود وبشفاعة العذراء مريم التي تغنّت فرحة بالرب قائلة: "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى تواضع أمته"، نعمة المحافظة على صغرنا وتواضعنا أمامه.

إذاعة الفاتيكان