الله معنا ولا يزال يثق بنا! «أضواء
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول: أريد اليوم أن نتأمل معًا حول ميلاد يسوع عيد الثقة والرجاء الذي يفوق الشكَّ والتشاؤم. ودليل رجائنا هو أن الله معنا ولا يزال يثق بنا! الله يأتي ليقيم مع البشر، ويختار الأرض مسكنًا له ليكون مع الإنسان حيث يصرف أيامه بالفرح والألم. لذلك لم تعد الأرض "واديًا للدموع" وإنما أصبحت المكان الذي نصب الله فيه خيمته، إنه مكان لقاء الله مع الإنسان وتضامن الله مع البشر.
تابع البابا فرنسيس يقول: لقد أراد الله أن يشاركنا طبيعتنا البشريّة لدرجة أنه صار مثلنا بشخص يسوع المسيح الإنسان الحق والإله الحق. وإنما ما يُدهشنا أكثر هو أن حضور الله في وسط البشريّة لا يتم في عالم خيالي وشاعري وإنما في هذا العالم الحقيقي المطبوع بالانقسامات والشرور، بالفقر والتسلُّط والحروب.
فالله قد اختار أن يقيم في تاريخنا كما هو، بثقل محدوديّته ومأساته، وبذلك اظهر رحمته بشكل لا يُضاهى وأفاض حبه على الإنسان. إنه الله معنا، يسوع هو "الله معنا"، منذ الأزل وللأبد معنا في معاناة التاريخ وآلامه. إن ميلاد يسوع هو ظهور الله الذي "يوحّد قواه" مع الإنسان ليخلصنا ويرفعنا من غبار شقائنا، من صعوباتنا وخطايانا.
أضاف الأب الأقدس يقول: من هنا تأتينا "هدية" طفل بيت لحم الكبيرة: قوة روحيّة تساعدنا كي لا نغرق في أتعابنا ويأسنا وأحزاننا لأنها قوة تدفئ القلب وتحوله. في الواقع إن ولادة يسوع تحمل لنا البشرى السارة بأن الله يحبنا فرديًّا وإلى أقصى الحدود، وهذا الحب لا يجعلنا فقط نتعرف على الله، بل يمنحنا إياه أيضًا وينقله لنا.
بتأملنا البهيج بسرّ ابن الله الذي ولد من أجلنا، يمكننا أن نتوقف عند اعتبارين. الأول أنه إذا كان الله في الميلاد لا يظهر كالذي يقيم في الأعالي ويحكم الكون وإنما كالذي ينحني وينزل إلى الأرض صغيرًا وفقيرًا، فهذا يعني أننا لنتشبه به علينا ألا نرفع أنفسنا فوق الآخرين، بل أن نتنازل لنخدم ونصبح صغارًا مع الصغار وفقراءً مع الفقراء.
إنه شيء قبيح عندما نرى مسيحيا لا يريد التنازل عن مقامه، ولا يريد أن يخدم. فهذا ليس مسيحيا: إنه وثني! فلنعمل كي لا يشعر إخوتنا وأخواتنا هؤلاء بأنهم وحدهم. فحضورنا التضامني بقربهم يعبر لا بالكلام فقط وإنما ببلاغة الأعمال أيضًا أن الله قريب من الجميع.
أما الثاني، تابع البابا فرنسيس يقول، فهو أنه إذا كان الله، بواسطة يسوع المسيح، قد انطوى على الإنسان لدرجة أنه أصبح واحدًا منا، فهذا يعني أن كل ما نفعله لأي أخ أو أخت لنا نكون قد فعلناه له.
وهذا الأمر قد ذكرنا به يسوع نفسه: من يُطعم ويقبل ويزور ويحب أحدًا من هؤلاء الصغار والفقراء من بين البشر يكون قد فعل ذلك لابن الإنسان، وعلى العكس من يرفض وينسى ويتجاهل أحدًا من هؤلاء الصغار والفقراء من بين البشر يكون قد أهمل ورفض الرب نفسه (راجع متى 25، 35- 46)، كما يكتب القديس يوحنا الرسول: " لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يراه" (1 يوحنا 4، 20).
وختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: لنكل أنفسنا إلى شفاعة العذراء مريم الوالدية، أم يسوع وأمنا، لكي تساعدنا في هذا الميلاد المجيد الذي أصبح قريباً لنتعرّف في وجه قريبنا وخصوصًا في الأشخاص الأشدّ ضعفًا والمهمشين إلى صورة ابن الله الذي صار إنسانًا. ولتعضدنا العذراء مريم في مقاصدنا لنمنح للجميع محبتنا، صلاحنا وسخاءنا، فنصبح بذلك انعكاسًا وامتدادًا لنور يسوع الذي من مغارة بيت لحم يشرق في قلوب الأشخاص، مقدمًا لهم الفرح والسلام اللذين نتوق إليهما من عمق كياننا. وشكرا.
إذاعة الفاتيكان