الله معنا «أضواء

إنّ الله معنا، فينا وبيننا، كلمة فرح وحياة ونور، رقّة ولطف وعذوبة، أبوّة وأمومة. هو سلام يسكن في قلبنا، ونعمة تملأ حياتنا، فيعطي عيوننا بهجة، ويمنح أرجلنا قوة، ويفيض في قلوبنا محبّة وإيمان ورجاء.

هو في حياتنا كالخميرة في العجين، لا يُحدث صوتًا أو جلجلة، بل يمتزج بهدوءٍ وثقة بكلّ جوانب وجودنا وتاريخنا، يدعم ما فينا من أنوار ويضيء ما فينا من ظلال. فهو يحبّنا بكلّ ما فينا من إمكانات وحدود، من طباع ونفسيّة ورؤية، من ميول ومشاريع وتطلّعات.

إنّ فرح الله يكمُن في سكناه فينا ومعنا، هواه أن يقيم معنا، أن يرافقنا في سائر أمور حياتنا، وأن يسير معنا في كلّ لحظات حياتنا. لا شيء من إنسانيّتنا غريب عنه أو خفيّ عن نظرته المحبّة والشغوفة. يتهلّل فرحًا بالنظر إلينا ويحيط كلّ واحد منّا بعنايته الأبويّة الفائقة، يُسند ويُلهم ويغفر بلا كلّل، يحمي ويغذّي ويرفق بلا حدود.

يحتضنّا ويفيض علينا غزير نِعمه دون أن يخدش حرّيتنا، ينتظر بصبرٍ ورجاءٍ أن نتجاوب وكلمته المُحيية في قلبنا، أن نؤمن بحبّه وأن نرتمي بكلّ ذواتنا بين ذراعيه.

إنّ الله هو نسيم عليل عالمنا وكنيستنا ومجتمعنا، ينقّي هواءنا من عالم الكذب والغرور والعنف، يحوّل دائمًا كلّ الأشياء لخير من يحبّونه، حتى الخطيئة والشرّ والهدم. لا تثنيه زوابع الكراهية والدمار، ولا يوقفه صراخ الانتقام والقصاص، فهو كالطفل البريء يمضي قدمًا، بل يجري غير عابئ بالصعوبات والتحدّيات، لأنّه يثق بكلمته التي زرعها في قلوب البشر، متيقّن من غلبة الحياة على الموت، والوداعة على العنف، والحقيقة على الكذب.

هو كبير كبير لأنّه أصغر وأبسط من أن تدركه عقول البشر، هو عظيم عظيم لأنّه أقرب إلينا من أنفسنا، هو رائع رائع لأنّه رحيق حبّ يخترق عروقنا ويمتزج بدمائنا فيحوّلنا يومًا بعد يوم إلى أبناء وبنات له.

إن الله معنا، مع كلّ واحد منّا، مع كلّ إنسان من المليارات السبع التي تملأ أرضنا، هو معنا وسط ضيقات وصراعات مجتمعنا المؤلمة والمنهكة، هو معنا بالرغم من تلاعب حفنة من الناس بمقدرات بلادنا، وعدم اكتراثهم بتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.

هو معنا نار في القلب ونور للعقل وعزيمة للإرادة، هو معنا رغبة في الأخوّة، سعي للعدالة، دفاع عن الكرامة، شجاعة في المصالحة، حزم ضد الكذب والنفاق والعنف. هو معنا انتباه للمسكين والصغير، تضامن حقيقيّ مع الفقير والضعيف. هو معنا تحرير لقلوبنا من نير الأنانيّة والكبرياء والخطيئة، حتى نصبح حقًّا أصدقاء وشهودًا له وسط عالمنا الباحث عن معنى، عن خبز وحرّيّة وعدالة أجتماعيّة.

إنّ الله معنا لأنّه يتكلم في قلب إنسان، يدقّ على بابه، ينتظر أن يسمع صوته وأن يفتح له الباب فيدخل ويسكن معه. في يوم من أيّام تاريخنا، اختار مريم ويوسف في فقرهما وبساطتهما ليكونا شريكاه في حبّ العالم، ليقبلاه في حياتهما حتى يسكن مع البشر أجمعين. إنّ طريق الله للناس كلّهم يمرّ دائمًا بقلب إنسان واحد، بالأمس كان يوسف ومريم، واليوم هو كلّ واحد منّا.

لم يهدم الله مشروع يوسف ومريم في بناء أسرة، ولم يحطم حلمهما في الأبوّة والأمومة، بل استطاع أن يلمس قلبهما لأنّه كان حيًّا نابضًا، يسكنه رغبة في الحياة وثقة بالله، نبع الحياة ومصدر كلّ أبوّة وأمومة في السماء والأرض.

فعرف يوسف ومريم أن يسلّما مشروعهما وحلمهما بين يديّ الله، فقادهما الرّوح القُدس إلى أبوّة وأمومة تفوق كلّ إدراك وكلّ تصوّر، صارا أبًا وأمًّا ليسوع، ابن الله، من يخلّص البشر من خطاياهم.

إن الله معنا، يعيد إلينا فرح الحياة وبهجتها، يحقّق فينا وبنا حلمنا في الأبوّة والأمومة، يشركنا معه في حبّ الناس كلّهم، من خلال "نعم" حرّيتنا، في بساطة وصغر وضعف وجودنا. لقد وُلد يسوع بنِعمة الرّوح القُدس وبفضل "نَعم" يوسف ومريم، فامتلأ عالمنا نورًا ساطعًا بشمس البِر، واليوم كذلك يأتي الرّبّ إلى عالمنا ومجتمعنا، بيوتنا وأديرتنا وكنائسنا، حين ندخل في لقاء القلب بالقلب معه، نسمع صوته ونفهم حبّه العظيم لنا وللناس، ونسلّم له ذواتنا، قائلين مع يوسف ومريم "نَعم". نَعم، يا ربّ اسكن فينا وبيننا، امنحنا روحك القُدس، استخدمنا لسلامك ومجدك وفرحك، فأنت الحياة والنور والسلام.

الأب نادر ميشيل اليسوعيّ