العنصرة في حياة الكنيسة: «أضواء

أحد العنصرة، أحد حلول الرّوح القدس على التلاميذ في عليّة صهيون . به تختتم الكنيسة زمن القيامة، لأنّ العنصرة هي ثمرة القيامة الأسمى في حياة الكنيسة، وتفتتح زمن العنصرة. بهذا العيد تفتتح الكنيسة المارونيّة زمنّاً ليتورجيّاً جديداً، هو زمن العنصرة، رمزاً للحقيقة الجديدة التي بدأت الكنيسة تحياها بعد حلول الرّوح على التلاميذ: زمن إعلان قيامة الرّب للكون بأسره.

هو إعلان بدأته جماعة الرّسل بعد حلول الرّوح، ولا يزال مستمرّاً حتى اليوم ويستمرّ الى نهاية الأزمنة، يوم تسجد كلّ ركبة، وتعلن كلّ شفة أنّ المسيح هو الرّب، وهو الرّب القائم من بين الأموات.

فكما أنّ البشارة سوف تستمرّ الى حين مجيء الرّب، يوم تسطع في السماء علامة الصليب ويعاين مجده كلّ حيّ، يوم يقوم الأموات والذين لا يزالون أحياء يُخطفون نحو السحاب، كذلك يستمّر هذا الزمن الى عيد الصليب، رمز المجيء الإسخاتولوجيّ.

فإن كان زمن القيامة هو ومن النصر الذي حقّقة الرّب بموته وقيامته، وزمن الصليب هو زمن الحصاد النهيوّي حين يأتي الرّب ليدين الأحياء والأموات، فزمن العنصرة هو زمن الكنيسة المبشّرة التي تكمّل في التاريخ عمل سيّدها الخلاصيّ، زمن الرّسل المُرسَلين ليعلنوا إنجيل الرّب القائم، ويدعوا الكون للتوبة والعودة الى الرّب، لأنّ الساعة قد اقتربت.

إنّ عيد العنصرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعيد الفصح، فالعنصرة هي ثمرة الفصح، ولولا قيامة الرّب من بين الأموات لما وُجِد هذا العيد في حياة الكنيسة . العنصرة هي قمّة حدث القيامة، فالرّبّ يسوع القائم من بين الأموات، المرتفع الى السماء والجالس عن يمين الله الآب، يؤكّد إستمرارية عمله الخلاصيّ في حضن الكنيسة من خلال روحه القدّوس المرافق والمعزّي.

فالقيامة والصعود والعنصرة هي أحداث ثلاثة تتكامل لتصل الى إعطاء ثمرة الرّوح القدس في داخل الكنيسة. فالكنيسة كلّها تقتبل نعمة الرّوح من خلال جماعة الرّسل الموجودين في عليّة صهيون.

- الرّوح القدس يقود الكنيسة اليوم كما قادها منذ البدء لكيما تبقى شاهدة أمينة لحضور الرّب ولتعلن إنجيله في المسكونة بأسرها.

- الرّوح القدس يعطي الكنيسة القدرة على عيش التوبة الدائمة، من خلال توبة كلّ واحد منّا، لتبقى الكنيسة عروساً أمينة لا عيب فيها ولا وصمة، تحمل إنجيل المسيح وتبشّر بقيامته وتأوّن خلاصه في عالم اليوم.

- الرّوح القدس هو الّذي يعطي الكنيسة القدرة على الإستمرار في الإيمان الّذي قبلته، فما من أحد يقدر أن يعلن أن يسوع هو الرّب إلاّ بدافع من الرّوح القدس.  والكنيسة، عروسة المسيح، تعلن إيمانها بالرّب دوماً ودون انقطاع، بنعمة الرّوح القدس الذي يوليها سلطة التعليم والتقديس والرعاية. هو الّذي يلهمها دوماً التعليم الصحيح، ويعطيها القدرة على المحافظة على وديعة الإيمان.

- الرّوح القدس هو روح الرّب وهو روح الكنيسة، فهو الذي يعطيها الحياة والقدرة على الإستمرار شاهدة للمسيح يسوع. هو الذي يزيّنها بالمواهب، هو الذي يعضدها في وظيفة التعليم، هو الذي يحقّق قدرتها على التقديس، وهي تقود شعب الله بهدي دائم منه. فالرّوح القدس الذي تكلّم في الأنبياء، وألهم كتّاب الكتب المقدّسة، هو نفسه يلهم الكنيسة اليوم لتكتشف كلّ يوم أكثر فأكثر هويّة يسوع، وحضوره وعمله في عالم اليوم.

- الرّوح القدس هو الذي يعطي أبناء الكنيسة القدرة على اعتناق منطق الملكوت، فبالرّوح القدس لا يحيا المسيحيّ بعد بحسب الجسد، وبحسب منطق العالم الحاضر، بل يحيا في العالم كمواطن للملكوت، يسعى الى زرع كلمة الله في العالم، إنّما دون أنّ ينسى أن موطنه هو حيث الرّب يسوع قائم عن يمين الآب.

بالرّوح القدس يتحوّل المعمّد من كائن يحيا بحسب الجسد وقوانين الجسد، الى كائن يحيا على قناعات الرّوح، يحيا في الجسد ولا ينغلق وجوده على البُعد الجسدي وعلى واقعه الماديّ، يحوّل جسده كلّ يوم أكثر فأكثر الى آلة يعزف أنغام الرّوح القدس، يصير جسده هيكلاً يليق بالرّوح القدس الذي حلّ فيه في المعموديّة وعضواً مقدّساً يكمّل جسد المسيح السرّي ويساعدها في الوصول الى القداسة.

موقع Lexamoris