الصلاة هي نورٌ للنفس (2) «أضواء
لكن كيف يمارس الإنسان الفضيلة لو لم يأت ويلقِ بنفسه على واهب الفضيلة ومانحها؟ وكيف يشتهي أحد أن يكون عفيفاً ونقياً دون أن يتكلم بفرح مع ذاك الذي يطلب منا هذه الأمور وأمور أخرى أكثر منها!
وأريد أن أخبركم إننا إن كنا ممتلئين بالخطايا أي شيء أعظم وأفضل من الصلاة- فهي الدواء الفعال لكل مرض داخل النفس فأهل نينوي قديماً غفرت خطاياهم بالصلاة أمام الله لأنهم عندما داوموا على الصلاة – صاروا أنقياء والمدينة التي كانت مشهورة بالفجور والشرور وحياة العبث تحولت جذرياً بالصلاة – منتصرة على العادات القديمة وتزيّنت بالشرائع السمائية مزادنة بالعفة ومحبة الناس واللطف والعناية بالفقراء.
لأن الصلاة لا يمكن أن تلازم النفس دون أن تؤثر على كل سكان المدينة وهي أيضاً عندما تسكن نفس الإنسان تملأه بالتقوى وتنمية في الفضيلة طاردة الشر خارجاً.
لهذا لو أن شخصاً ما دخل مدينة نينوي وكان يعرفها جيداً من قبل فإنه سوف لا يعرفها بعد توبتها. هكذا تحولت المدينة فجأة من تلك الحياة غير اللائقة إلي حياة التقوى مثل إمرأة فقيرة كانت تلبس ملابس ممزقة بالية لو رآها أحد فيما بعد مزينة بملابس ذهبية، سيجد صعوبة في التعرف عليها.
هذا ما حدث مع هذه المدينة.
لا، من يعرف فقر المدينة وخلوها من كنوز الروح سوف لا يعرف أي مدينة هذه التي يراها الآن والتي إستطاعات الصلاة أن تغيرها بهذا الشكل وأن تقود سلوكها وحياتها نحو الفضيلة فالمرأة التي قضت كل حياتها في الفجور والزنا حصلت على خلاصها بمجرد أن وقعت على أقدام المسيح.
إن الصلاة لا تطّهر النفس فقط لكنها أيضاً تصد عنها أخطار كثيرة، فعلى سبيل المثال أن الملك والنبي الرائع داود أنقذ من حروب كثيرة ومخيفة بواسطة الصلاة وهي الوسيلة الوحيدة التي قدمها لجيشة كسلاح مؤكداً لجنوده للحصول على الإنتصار دون أن يتحركوا أو يبذلوا جهداً، الملوك الآخرون إعتمدوا في آمالهم للحصول على النصر على خبرة ضباطهم وعلى ضاربي السهام المشاة والفرسان.
بينما نجد أن داود العظيم قد بنى جيشه بالصلوات المقدسة غير مكترث بغرور ضباطه ولواءاته وفرسانه وغير جامع للأموال ولا صانع لأسلحة ولكنه أحضر قوات سمائية من المساء إلى الأرض- وهذه الأسحلة الإلهية الحقيقية – هي الصلاة والملاذ الوحيد لأولاد الله.
إن قوة ودراية المسلحين وضاربي السهام، وخبرتهم ومكرهم تظهر مراراً أنها أمور باطلة أمام الشجاعة التي يظهرها الطرف الآخر.
في حين أن الصلاة هي السلاح الروحي والحماية الأكيدة التي تصد ليس محارباً واحداً بل ألوفاً كثيرة.
هكذا فإن داود العظيم عندما أتى إليه جليات مثل شيطان مخيف طرحه أرضاً لا بسلاح ولا بسيف لكن بالصلاة.
فكما تمثل الصلاة سلاحاً قوياً بالنسبة للملوك في المعارك هكذا تمثل لنا أيضاً سلاحاً قوياً ضد محاربات الشياطين.
إن الملك حزقيا هزم الفرس في الحرب دون أن يسّلح جيشه لكنه وقف للصلاة في مقابل جموع محاربيه. وهكذا تجنب الموت إذا أنه إرتمى بورع وخشوع في أحضان الله وأعطى مرة أخرى حياة للملكة بالصلاة فقط.
فكون الصلاة تطّهر النفس الخاطئة فهذا ما علمنا إياه العشار الذي طلب من الله الغفران وأخذه ، وعلمنا إياه أيضاً الأبرص الذي شفي على الفور بمجرد أن إرتمى في أحضان الله.
فإن كان الله قد شفى الجسد الفاني في الحال فإنه بالحري قادر بمحبته للإنسان أن يشفي النفس المريضة ويصيّرها أفضل لأنه بقدر ما للنفس من قيمة أفضل من الجسد بقدر ما يبدي الله إهتماماً أكبر نحوها.
يستطيع الإنسان أن يتحدث عن أمور كثيرة قديماً وحديثاً لو أراد أن يعدد أولئك الذين أنقذتهم الصلاة وربما أن شخصاً ما من المتهاونين الذين لا يقدّمون صلواتهم بإهتمام وحرص ويستند إلى كلام الرب: " ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات" ( مت 7: 21 ).
فلو كنت أقول أن الصلاة وحدها تكفي لخلاصنا لكان من الممكن قبول هذا الإعتراض لكني أقول إن الصلاة هي باب الخيرات أساس ومنبع الحياة الفاضلة إذن لا يستيطع أحد أن يببر تهاونه بهذا المفهوم الخاطئ فلا العفة وحدها تستطيع أن تخلص بدون باقي الفضائل ولا رعاية الفقراء وحدها لكن يجب أن تجتمع الفضائل كلها معاً داخل النفس وتكون الصلاة هي أساس ومنبع الفضائل كلها.
وكما أنه يلزم لتثبيت المنزل أن يكون أساسأً قوياً هكذا فإن الصلاة تشدد حياتنا وتقوينا لهذا فإن القديس بولس يوصي بالصلاة " واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر" ( كو4: 2 ).
وفي موضع آخر يقول " صلوا بلا إنقطاع أشكروا في كل شيء لأنه هذه مشئية الله في المسيح يسوع من جهتكم" ( تس 5: 17-18 ) وفي موضع آخر يقول" أقيموا كل حين أنواع الصلاة والدعاء في الروح، ولذلك تنبّهوا و أحيوا الليل مواظبين على الدُّعاء لجميع القدّيسين"( أف 6 : 18 ).
هكذا يدعونا عميد الرسل بكلام متنوع إلى الصلاة.
إذن ووفقاً لهذا التعليم المقدم من الرسول بولس يجب علينا أن نكمل مسيرة حياتنا بالصلاة وبهذه الصلاة المستمرة نسد عطش إنساننا الداخلي لأننا جميعاً متعطشون للإرتواء ليس أقل من إحتياج الأشجار للمياه.
فكما أن الأشجار لا تستطيع أن تثمر إن لم ترتو من جذورها هكذا نحن لا نستطيع أن نقدم الثمر كثير الثمن ، إن لم نتقوى بالصلاة لهذا يجب أن نستيقظ ونبدأ صلواتنا لله مبكرين مع كل شروق للشمس وأن نصلي لله كل حين.
في وقت الشتاء علينا أن نقضي الجزء الأكبر من المساء في الصلوات وأن نحني ركبنا وبرعدة كثيرة نلهع في التضرع.
هكذا نصير مغبوطين إذ نعبد الله.
أخبرني كيف تنظر للشمس إن لم تسجد لذلك الذي يرسل لعينك هذا النور الباهر كيف تتمتع بالمأكولات إن لم تسجد لواهب و معطي كل هذه الخيرات؟ وكيف ستعيش يومك حتى المساء؟
وأي أحلام سترى ( أثناء الليل ) إن لم تحصّن نفسك بالصلوات. كيف تذهب للنوم بدون قلق؟ فإن الشياطين المتربصة ستزدري بك وتقتنصك بسهولة، هؤلاء الذين يجولون بلا هوادة لترويعنا وإقتناص الضعفاء الذين لا يتسلحون بالصلاة.
لكن لو واظبنا على الصلاة فإنهم سيضمحلون كالبخار سريعاً، لكن لو إبتعد الإنسان عن حياة الصلاة فإن الشياطين ستدفعه نحو الشرور والمتاعب والنكبات فلنحترس إذن من هذه الشرور والمتاعب والنكبات فلنحترس إذن من هذه الأمور ولنبني أنفسنا بالصلوات والتسابيح وإله الجميع يرحمنا ويجعلنا مستحقين لملكوت السموات بابنه الوحيد الذي به ومعه يليق له المجد والقوة إلى أبد الآبدين... آمين
للقديس يوحنا الذهبي الفم(+407 )