الافخارستيا تفتح قلبنا على المسامحة والمصالحة «أضواء

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول: لقد سلطت الضوء في التعليم الأخير على الافخارستيا التي تدخلنا في شركة حقيقيّة مع يسوع وسرّه.

أما اليوم فأود أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة حول علاقة سرّ الافخارستيا الذي نحتفل به بحياتنا، ككنيسة وأفراد مسيحيين: كيف نعيش الافخارستيا؟ كيف نعيش الذبيحة الإلهيّة عندما نشارك في قداس الأحد؟ هل هو مجرّد لحظة عيد، أو تقليد متجذّر، أو مناسبة لنلتقي ونشعر بأننا تممنا واجباتنا أم أن هناك شيئاً أكثر؟

تابع البابا فرنسيس يقول: هناك علامات ملموسة جدًا لفهم كيفية عيشنا لهذا السرّ. العلامة الأولى هي طريقتنا في النظر للآخرين وتقديرنا لهم. في الافخارستيا يحقق المسيح بشكل دائم ومتجدد تقدمة ذاته لنا على الصليب. فحياته كلها هي فعل مشاركة كامل في سبيل الحب، لذلك أحب أن يقيم مع التلاميذ والأشخاص الذين كان يتعرف إليهم. وهذا يعني بالنسبة له أن يشاركهم رغباتهم ومشاكلهم وما يقلق نفوسهم وحياتهم. والآن عندما نشترك في القداس الإلهي، نلتقي برجال ونساء من مختلف الأجناس: شباب ومسنّون وأطفالٌ، فقراءٌ وأغنياء، سكانٌ محليّون وغرباء...

ولكن هل يحملني سرّ الافخارستيا الذي أحتفل به لأشعر بهم جميعًا كإخوة وأخوات؟ هل يُنمّي هذا السرّ في داخلي القدرة لأفرح مع الفرحين وأبكي مع الباكين؟ هل يدفعني للذهاب نحو الفقراء والمرضى والمهمّشين؟ هل يساعدني هذا السرّ لأرى فيهم وجه يسوع؟

جميعنا نشارك في القداس لأننا نحب يسوع ونريد أن نشاركه في الإفخارستيا آلامه وقيامته، ولكن هل نحب إخوتنا المعوزين كما يريدنا يسوع أن نحبهم؟ ليسأل كلّ منا نفسه نحن الذين نشترك بالذبيحة الإلهيّة: هل أهتم بمساعدة الإخوة؟ هل أقترب منهم وأصلّي من أجلهم في شدائدهم؟ أم أقف أمامهم بلا مبالاة؟ لنطلب من يسوع الذي نتناوله في الافخارستيا أن يساعدنا لنتمكن من مساعدتهم

أضاف الأب الأقدس يقول: العلامة الثانيّة الفائقة الأهميّة هي النعمة بأن نشعر بأننا نلنا الغفران ومستعدون للمغفرة. أحيانا قد يسأل أحدكم: "لماذا علينا أن نذهب إلى الكنيسة، طالما أن الذين يشاركون في القداس الإلهي هم عادةً خطأة كالآخرين؟" في الواقع، إن من يحتفل بسرّ الافخارستيا لا يحتفل به لأنه يعتبر نفسه أفضل من الآخرين أم لأنه يريد أن يُظهر نفسه أفضل منهم، وإنما لأنه يعترف دائمًا بحاجته ليُقبل ويولد من جديد من رحمة الله المتجسدة بيسوع المسيح.

فإن كان هناك بيننا من لا يشعر بالحاجة لرحمة الله، أو من يشعر بأنه ليس خاطئًا، من الأفضل له ألا يشارك في الذبيحة الإلهيّة! نحن نشارك في القداس لأننا خطأة ونريد أن ننال المغفرة من يسوع، و"فعل التوبة" الذي نتلوه في بداية الذبيحة الإلهية ليس مجرد إجراء شكليّ وإنما هو فعل توبة حقيقيّ! وعلينا ألا ننسى أبدًا أن عشاء يسوع الأخير حدث في "الليلة التي أُسلم فيها" (1 كور 11، 23). ففي ذلك الخبز وذلك الخمر اللذين نقدمهما ونجتمع حولهما تتجدّد في كل مرة تقدمة جسد المسيح ودمه لمغفرة الخطايا.

أما العلامة الثمينة الأخيرة، تابع الحبر الأعظم يقول، فتُقدم لنا من العلاقة بين الاحتفال الافخارستيّ وحياة جماعاتنا المسيحيّة. علينا أن نتذكر دائمًا أن الافخارستيا ليست شيئًا نقوم به، وليست تذكارنا لما قاله يسوع وفعله. لا! إنها عمل المسيح! إنها هبة من المسيح الذي يحضر بيننا ويجمعنا حوله ليغذينا بكلمته وحياته.

وهذا يعني أن رسالة الكنيسة وهويتها تنبعان من هنا، من سر الافخارستيا، ومنه تتخذان دائمًا شكلهما. وعلينا الانتباه: إذ يمكن للاحتفال أن يظهر بلا عيب من الناحية الخارجيّة، ولكن إذا لم يقدنا للقاء يسوع فهو مهدد بعدم حمل أي غذاء لقلبنا وحياتنا. بينما يريد المسيح، من خلال الافخارستيا، أن يدخل حياتنا ويملأها بنعمته فيكون هكذا في كل جماعة مسيحية ترابطٌ بين الليتورجيا والحياة.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: أيها الأصدقاء الأعزاء، يمتلئ القلب بالثقة والرجاء عندما نفكر بكلمات يسوع التي ينقلها إلينا الإنجيل: "مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 6، 54). لنعش الافخارستيا إذًا بروح إيمان وصلاة، بروح توبة ومغفرة وفرح جماعي، بروح اهتمام بحاجات إخوتنا وأخواتنا وكلنا يقينٌ بأن الرب سيتمم ما وعد به.

إذاعة الفاتيكان