إن رسالة البشارة هي في جوهرها إعلان لمحبة الله ورحمته ومغفرته «أضواء
ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح هذا الأحد في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان قداس شكر للرّبّ على إعلان قداسة المرسلين الكنديين فرنسوا دو لافال وماري للتجسد وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول: لقد سمعنا نبوءة أشعيا: "ويمسَحُ السَيِّدُ الرَّبُّ الدُّموعَ عن جميعِ الوُجوه..." (أشعيا 25، 8). هذه الكلمات المفعمة برجاء الله تشير إلى الهدف وتُظهر المستقبل الذي نسير نحوه، وفي هذه الدرب يسبقنا القديسون ويرشدوننا، وهذه الكلمات تحدد أيضًا دعوة الرجال والنساء المرسلين.
تابع الحبر الأعظم يقول: المرسلون هم الذين، بطاعتهم للرّوح القدس، تحلّوا بالشجاعة ليعيشوا الإنجيل، بما فيه الإنجيل الذي سمعناه: "قال الملك لعبيده: "اذهَبوا إِلى مَفارِقِ الطُّرق" فخرج أُولَئِكَ العَبيد إِلى الطُّرُق، فجمَعوا كُلَّ مَن وجَدوا مِن أَشرارٍ وأَخيار، وجاؤوا بهم إلى وليمة عرس الملك.
إن المرسلين قد قبلوا هذه الدعوة وخرجوا إلى مفارق الطرق ليدعوا الجميع، وأكّد البابا أن المرسلين بهذا الشكل قد ساهموا لكي لا ترقد الكنيسة وتنغلق فتمرض وربما قد تفسد بسبب الخطايا أو العلمنة.
وقال إن المرسلين قد وجّهوا نظرهم إلى يسوع المصلوب وقبلوا نعمته بدون أن يحتفظوا بها لأنفسهم، وعلى مثال القديس بولس، أصبحوا كلاً للكلّ، فأحسنوا العيش في الحرمان وفي اليسر، في الشبع والجوع، واستطاعوا كل شيء بذاك الذي يقوّيهم (راجع فيليبي 4، 12- 13). وبقوة الله هذه تحلّوا بالشجاعة "للخروج" على دروب العالم واثقين بالرّبّ الذي يدعو، هذه هي حياة المرسل والمرسلة!
إن رسالة البشارة في الكنيسة هي في جوهرها إعلان لمحبة الله ورحمته ومغفرته التي تجلّت للبشر من خلال حياة يسوع المسيح وموته وقيامته. فالمرسلون قد خدموا رسالة الكنيسة وكسروا للصغار وللبُعداء خبز الكلمة وحملوا للجميع عطية الحب الذي لا ينضب والذي يفيض من قلب المخلّص. وهكذا كان القديس فرنسوا دو لافال والقديسة ماري للتجسد.
أضاف البابا فرنسيس يقول: أريد أن أترك لكم في هذا اليوم، أيها الحجاج الكنديّون، نصيحتين من الرسالة إلى العبرانيين، الأولى هي: "أُذكُروا رُؤَساؤكم، إِنَّهم خاطَبوكم بِكَلِمَةِ اللّه، واعتَبِروا بما انتَهَت إِلَيه سيرَتُهم واقتَدوا بِإِيمانِهِم" (عب 13، 7). لتعضدنا ذكرى المرسلين عندما نختبر قلّة خَدَمَةِ الإنجيل، لتجذبنا أمثلتهم وتدفعنا على التشبّه بإيمانهم، لأنهم شهادات خصبة تولِّد حياة!
أما النصيحة الثانية، تابع الأب الأقدس يقول، فهي: "اذكُروا أَيَّامَ الماضيَ، الَّتي فيها تَلقَّيتُمُ النُّور فجاهَدتُم جِهادًا كَثيرًا مُتَحَمِّلينَ الآلام... لا تُضيعوا إِذًا ثِقَتَكم فلَها جَزاءٌ عَظيم، وإنَّ بِكُم حاجَةً إِلى الصَّبْرِ لِتَعمَلوا بِمَشيئَةِ اللّه فتَحصُلوا على المَوعِد..." (عب 10، 32. 35- 36). إن تكريم من عانى ليحمل لنا الإنجيل يعني أن نجاهد نحن أيضًا بدورنا جهاد الإيمان بتواضع ووداعة ورحمة في حياتنا اليومية.
أذكروا أولئك الذين سبقونا والذين أسسوا كنيستنا! إن كنيسة الكيبيك كنيسة خصبة بالعديد من المرسلين الذين ذهبوا إلى كلّ مكان، والعالم قد امتلأ بمرسلين كنديين على مثال هذين الاثنين. أدعوكم بالتالي لكي تحملكم هذه الذكرى على عدم التخلّي عن الصدق والشجاعة! وأرفع الصلاة للرّبّ لكي تسير أرض الكيبيك مجددًا في درب الخصوبة هذه وتعطي العالم العديد من المرسلين. ولتساعدنا شفاعة هذين القديسين اللذين أسسا كنيسة الكيبيك، لكي تنمو البذرة التي زرعاها وتُثمر مجدّدًا رجالاً ونساء شجعان وحكماء قلوبهم منفتحة على دعوة الرّبّ.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: هنا يكمن فرح ووصيّة حجكم هذا: أذكروا الشهود ومرسلي الإيمان في أرضكم. ولتعضدنا دائمًا هذه الذكرى في المسيرة نحو المستقبل ونحو الهدف عندما: "يمسَحُ السَيِّدُ الرَّبُّ الدُّموعَ عن جميعِ الوُجوه..." "فنبتهج ونفرح بخلاصه" (أشعيا 25، 9).
في ختام الذبيحة الإلهية، تلا الحبر الأعظم صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجاج والمؤمنين الذين احتشدوا في ساحة القديس بطرس، وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها: يحدثنا يسوع في إنجيل هذا الأحد عن الجواب الذي تناله دعوة الله – الممثل هنا بالملك – للمشاركة في وليمة عرس. ولهذه الدعوة ميزات ثلاث: المجانية، الوسع والشموليّة.
فالمدعوون كثيرون ولكن يحصل هنا أمر مفاجئ: لم يقبل أحد من المختارين أن يشارك في هذا الإحتفال لانشغالهم بأمور أخرى، لا بل أظهر بعضهم عدم مبالاة وانزعاج إزاء هذه الدعوة. لكن الله صالح مع الجميع ويقدم لنا مجّانًا صداقته وفرحه وخلاصه لكننا غالبًا ما لا نقبل عطاياه ونضع اهتماماتنا المادية ومصالحنا في المرتبة الأولى.
أضاف الأب الأقدس يقول: نجد أيضًا أن بعض المدعوين قد أساؤوا معاملة العبيد الذين حملوا لهم الدعوة وقتلوهم، ولكن وبالرغم من عدم استجابة المدعوين فمشروع الله لم يُعلَّق. وإزاء رفض المدعوين الأولين لم يستسلم ولم يلغ الاحتفال بل وسّع الدعوة إلى أبعد حدود وأرسل عبيده إلى الساحات ومفارق الطرق ليجمعوا كلّ من يجدوهم: فقراء، متروكون ومهمّشون، أخيار وأشرار، بدون تمييز. فامتَلأَت رَدهَةُ العُرسِ، وهكذا الإنجيل عندما يرفض من قبل أحد ما فهو يجد قبولاً غير متوقّع في العديد من القلوب الأخرى.
تابع البابا فرنسيس يقول: إن صلاح الله لا يعرف حدودًا ولا يميّز أحدًا: لذلك فإن وليمة عطايا الرّبّ هي شاملة وللجميع. فقد أُعطي للجميع أن يُجيبوا على دعوته، ولا يجوز لأحد بأن يشعر أنه مميّز أو بأنه يتمتّع بامتياز معيّن.
وهذا الأمر يدفعنا للتغلُّب على عادة وضع أنفسنا دائمًا في الوسط على مثال رؤساء الكهنة والفريسيين لننفتح على الضواحي ونعترف أن من يعيش على هامش الحياة هو أيضًا قِبلَةُ سخاء الله. فجميعنا مدعوون لعدم الحدّ من ملكوت الله لكي يتناسب مع "كنيستنا الصغيرة" وإنما لنوسّع الكنيسة لتصبح بحجم ملكوت الله. ولكن بشرط واحد: أن نرتدي حلة العرس، أي أن نشهد بشكل ملموس لمحبة الله والقريب.
وختم الأب الأقدس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي بالقول: لنكل إلى شفاعة العذراء مريم الكليّة القداسة مآسي ورجاء إخوتنا وأخواتنا المهمشين والضعفاء والمرفوضين والذين يُضطهدون بسبب الإيمان، ولنطلب حمايتها أيضًا لأعمال سينودس الأساقفة المجتمعين خلال هذه الأيام في الفاتيكان.
وبعد الصلاة حيّا الأب الأقدس المؤمنين وقال: لقد تمّ اليوم في ساساري إعلان تطويب الأب فرانشيسكو زيرانو من الرهبان الفرنسيسكان الذي فضّل الموت على إنكار الإيمان. لنرفع الشكر لله على هذا الكاهن والشهيد، شاهد الإنجيل البطولي، إن أمانته الشجاعة للمسيح تقدِّم لنا مثالاً عظيمًا لاسيما في الإطار الحالي للإضطهادات الوحشيّة ضدّ المسيحيين.
وأضاف البابا: والآن يتوجه فكرنا نحو مدينة جنوة الإيطالية التي تضربها الفيضانات. أؤكد صلاتي من أجل الضحايا وجميع الذين تكبّدوا خسائر كبيرة. لتعضد العذراء مريم سكان جنوة الأعزاء في التزام التضامن لتخطي هذه المحنة الصعبة.
إذاعة الفاتيكان