إكرام السيدة العذراء لدى البابوين يوحنا الثالث والعشرين ويوحنا بولس الثاني «أضواء

لقد احتلت السيدة العذراء مرتبة هامّة في حياة البابوين يوحنا الثالث والعشرين ويوحنا بولس الثاني اللذين ستعلنهما الكنيسة قدّيسَين يوم الأحد المقبل السابع والعشرين من الجاري. وشكّل التعبّد لوالدة الله قاسمًا مشتركًا بين هذين الرجلين.

فقد رافقت صورة العذراء مريم أنجيلو جوزيبيه رونكالي منذ سن الطفولة، وتركت أثرًا كبيرًا في عدة مراحل من حياته بدءًا من سنين الدراسة في بلدة سوتو إيل مونتيه، ثم في المعهد الإكليريكي ببرغامو وخلال دراسته لعلم اللاهوت في روما، ثم ككاهن، وكأسقف وبطريرك وحبر أعظم. وخلال ممارسته الرياضات الروحية، عندما كان طالبا إكليريكيا في الأعوام 1896، 1897 و1898، كتب الشاب رونكالي إنه كان يتضرّع دائما لمريم، ملكة العذارى، كي تساعده على البقاء بعيدًا عن تجارب الشيطان.

وكان هذا الشاب يتأمل بنوع خاص بالعذراء، سيّدة الحبل بلا دنس وكتب عنها الكثير في مذكراته الشخصية، لاسيّما يوم الإحتفال بعيدها في الثامن من كانون الأول ديسمبر عام 1898. وبعد أن نال السيامة الكهنوتية، توجّه الكاهن الشاب إلى روما حيث شارك في الذكرى السنوية الخمسين لإعلان عقيدة الحبل بلا دنس في الثامن من كانون الأول ديسمبر 1904. وعندما أعلن عن افتتاح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني شاء البابا يوحنا الثالث والعشرون أن يوكل الأعمال إلى شفاعة العذراء مريم.

وبعد أن أصبح حبراً أعظم شدّد في الخامس عشر من آب أغسطس 1961 – يوم عيد انتقال السيدة العذراء إلى السماء - على أهمية تلاوة السبحة الوردية، وكان قد خصّص رسالة عامّة لهذا الغرض، أصدرها في السادس والعشرين من أيلول سبتمبر 1959. وقد حثّ المؤمنين الكاثوليك من خلال هذه الوثيقة على التضرع للسيدة العذراء. تجدر الإشارة إلى أنّ البابا رونكالي أصدر ثماني رسائل عامة خلال حبريته القصيرة نسبيًا والتي دامت أربع سنوات ونصف، ومن بينها رسالة عامة واحدة كُرّست بالكامل للسيدة العذراء.

أما البابا يوحنا بولس الثاني، فقد كانت تربطه بالسيدة العذراء علاقة وطيدة بدأت منذ صغر سنّه. فقد كتب أنه تربّى على إكرام السيّدة العذراء في كنف عائلته وفي رعية فادوفيتش التي كان يتردد إليها أيام الصبا. وبعد أن أصبح أسقفًا اختار شعارًا له "توتوس تووس" أي "كلي لكِ"، بالإضافة إلى الصليب وحرف "م" الذي يرمز لاسم مريم، وقد حافظ على شعاره هذا بعد انتخابه حبراً أعظم في العام 1978. وقال الأسقف فويتيلا آنذاك إنّ الشعار يرمز إلى مريم أم يسوع، الواقفة أمام الصليب، كما جاء في إنجيل القديس يوحنا (الفصل 19)، والتي أصبحت أمًّا للكنيسة بأسرها.

وفي الثامن من كانون الأول ديسمبر من العام 1978، أي بعد أقل من شهرين على اعتلائه السدّة البابوية، زار يوحنا بولس الثاني، وللمرة الأولى كأسقف روما، بازيليك القديسة مريم الكبرى وقال خلال تلك الزيارة: لقد شاء البابا، في بداية خدمته الأسقفية في روما أن يوكل الكنيسة بنوع خاص إلى مَن تحقق من خلالها انتصار الخير على الشر، والمحبة على الحقد والنعمة على الخطيئة. يريد أن يوكل إليها كنيسة روما، نيابة عن كنائس العالم كله.

وفي أول رسالة إلى مدينة روما والعالم أطلقها البابا فويتيلا عبر الأثير غداة انتخابه حبراً أعظم في السابع عشر من تشرين الأول أكتوبر 1978 حثّ يوحنا بولس الثاني المؤمنين على التعبد للعذراء مريم والتوجه إليها بشعار "كلي لك"، كما فعل هو قبل عشرين سنة عندما اختار هاتين العبارتين شعارا لخدمته الأسقفية. وخلال آخر زيارة قام بها إلى بلده الأم بولندا في شهر آب أغسطس 2002 زار البابا الراحل المعبد المريمي الذي تردّد عليه كثيرًا في الماضي وأوكل بولندا مرة جديدة إلى شفاعة والدة الله.

أثناء حبريته الطويلة التي استغرقت ستًا وعشرين سنة، تمحورت تعاليم البابا يوحنا بولس الثاني خلال مقابلاته العامة مع المؤمنين حول العذراء مريم في سبعين مناسبة، متطرّقًا إلى ثلاثة مواضيع رئيسة: حضور مريم في تاريخ الكنيسة، إيمان الكنيسة بمريم ودور مريم في الكنيسة. وفي يوم عيد البشارة في الخامس والعشرين من آذار مارس 1987 أصدر البابا كارول فويتيلا رسالته العامة "أمّ المخلص"، التي اعتبرها متصلة بأعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وأعلن في ختام تلك الوثيقة عن إطلاق سنة مكرّسة للعذراء مريم بهدف "تعزيز قراءة جديدة ومعمّقة لما قاله المجمع الفاتيكاني بشأن الطوباوية العذراء مريم".

إذاعة الفاتيكان