أؤمن بالحياة الأبديّة «أضواء
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، ووجه نداء قال فيه: أطلقت منظمة كاريتاس، يوم أمس، حملة عالميّة ضدَّ الجوع وهدر الغذاء تحت عنوان: "عائلة بشريّة واحدة – غذاء للجميع"، إن فضيحة الملايين من الأشخاص الذين يعانون الجوع لا يجب أن تُشلَّنا، بل عليها أن تدفعنا لنتحرك جميعًا: أفراد وعائلات وجماعات، مؤسسات وحكومات لإلغاء هذا الظلم، وإنجيل يسوع يرشدنا إلى السبيل: بالثقة بعناية الآب ومشاركة الخبز اليومي دون هدره. أشجع منظمة كاريتاس على حمل هذا الالتزام إلى الأمام وأدعو الجميع للاتحاد مع موجة التضامن هذه.
هذا وكان الأب الأقدس قد استهل تعليمه الأسبوعي بالقول: أريد اليوم أن أبدأ سلسلة التعليم الأخيرة حول قانون الإيمان وسأتوقف عند التعبير "أؤمن بالحياة الأبديّة" وخاصة عند الدينونة الأخيرة، ولكن لا يجب أن نخاف: لنسمع ما تقوله لنا كلمة الله.
نقرأ في إنجيل القديس متى: عندها سيأتي المسيح "في مَجده، تواكبه جَميع الملائكة، يَجلسُ على عَرشِ مَجدِه، وتُحشَرُ لَدَيهِ جَميعُ الأُمَم، فيَفصل بَعضَهم عن بَعْضٍ، كما يَفصل الرَّاعي الخِراف عن الجِداء. فيُقيم الخِراف عن يَمينِه والجِداءَ عن شماله... فيَذهَب هؤُلاء إِلى العَذاب الأَبديّ، والأَبرار إلى الحَياة الأَبدِيَّة" (متى 25، 31- 33. 46).
عندما نفكر بعودة المسيح وبدينونته الأخيرة التي ستُظهر الخير الذي فعله كل منا أو أغفل عنه خلال حياته الأرضيّة، نشعر بأننا نقف أمام سرّ يفوقنا ولا يمكننا تصوّره. سرّ يولّد فينا نوعًا من الخوف والاضطراب أيضًا. ولكن إن فكرنا جيّدًا حول هذه الحقيقة، سنجد بأنها توسع آفاق قلب المسيحي مشكّلة له دافعًا كبيرًا للتعزية والثقة.
تابع البابا فرنسيس يقول: وبالنسبة لهذا الموضوع يتردد صدى شهادة الجماعات المسيحيّة الأولى بشكل بارز. فقد كانت هذه الجماعات ترافق الاحتفالات والصلوات بهتاف المورانتاه، وهي عبارةٌ مكوّنة من كلمتين آراميّتين، واللتين بحسب طريقة لفظهما، يمكن فهمهما كتضرع "تعال أيها الرب" أو كتأكيد يغذيه الإيمان: "نعم! إن الرب آتٍ، الرب قريب".
إنه الهتاف الذي به يبلغ الوحي المسيحي ذروته في ختام التأمل الذي يقدمه لنا القديس يوحنا في سفر الرؤيا (راجع رؤيا 22، 20). في هذه الحالة، هي الكنيسة – العروس التي، وبإسم البشريّة بأسرها وكباكورتها، تتوجه نحو المسيح عريسها متشوقةً للحظة التي سيغمرها بها بين يديه: وغمرة يسوع هذه هي ملء الحياة والحب.
فإن نظرنا إلى الدينونة الأخيرة من هذا المنظار، يزول منا كل خوف واضطراب ليتركا مكانًا للانتظار ولفرح عميق: فتكون عندها لحظة دينونتنا تلك اللحظة التي سنُعتبر فيها جاهزين لنلبس حلة مجد المسيح، كحلة عرس، وندخل إلى الوليمة صورة الشركة الكاملة والنهائية مع الله.
أضاف البابا يقول: أما دافع الثقة الثاني، يقدمه لنا اليقين بأنه عندما يحين وقت الدينونة لن نُترك وحدنا. فيسوع نفسه يعلن، في إنجيل القديس متى، أنه، وفي نهاية الأزمنة، سيجلس معه في مجده جميع الذين تبعوه ليدينوا معه (راجع متى 19، 28). كما ويكتب القديس بولس الرسول إلى جماعة كورنتس مؤكدًا: "أَوَ ما تَعلَمونَ أَنَّ القِدِّيسينَ سيَدينونَ العالم؟ فما أَولانا بِأَن نحكم في أُمور الحَياةِ الدُّنيا!" (1 كورنتس 6، 2- 3).
كم جميلٌ أن نعرف بأنه في ذلك الوقت العصيب، بالإضافة إلى اعتمادنا على المسيح معزينا ومحامينا لدى الآب (راجع يوحنا 2، 1) يمكننا أن نعتمد أيضًا على شفاعة ومحبة إخوتنا وأخواتنا الذين سبقونا في مسيرة الإيمان وبذلوا حياتهم من أجلنا وهم يحبّوننا بشكل لا يوصف! فالقديسون يعيشون في حضرة الله وفي بهاء مجده ويصلون من أجلنا نحن الذين لا نزال نعيش على الأرض. كم من العزاء يولّد هذا اليقين في قلوبنا! فالكنيسة هي أم حقًّا، وكأمٍّ تبحث عن خير أبنائها، خاصةً أولئك البعيدين والمعذبين، إلى أن تبلغ ملئها في جسد المسيح الممجد بجميع أعضائه.
تابع الحبر الأعظم يقول: يقدم لنا إنجيل القديس يوحنا اقتراحًا آخر، إذ يؤكد بوضوح أن الله "لم يُرسِل ابنه إلى العالَم ليَدينَ العالم بل ليُخَلَّصَ بِه العالم. مَن آمَنَ بِه لا يُدان ومَن لم يُؤمن بِه فقد دِين منذ الآن لأنَه لم يُؤمِن باسم ابن الله الوَحيد" (يوحنا 3، 17- 18). هذا يعني إذًا أن الدينونة الأخيرة قد بدأت منذ الآن خلال مسيرة حياتنا.
وحكم الدينونة هذا يُلفظ في كل لحظة من حياتنا، إما كتأكيد على قبولنا بإيمان للخلاص الحاضر والفاعل بالمسيح، وإما لعدم إيماننا وانغلاقنا على أنفسنا الناتج عنه. فإن لم ننفتح على محبة يسوع نحن ندين أنفسنا بنفسنا. لنطلب إذًا منه الغفران ولنذهب إليه تدفعنا الرغبة بأن نكون أفضل والرب سيسامحنا. يكفي أن ننفتح على محبته التي تسمو فوق كل شيء، محبّة يسوع عظيمة ورحيمة، محبته تغفر لكن علينا أن ننفتح عليها ونتوب.
فالرب يسوع قد بذل ذاته ويستمر في بذل ذاته من أجلنا ليغمرنا برحمة الآب كلها ونعمته. لذا يمكننا أن نصبح بمعنى ما ديّانين لأنفسنا، ونحكم على ذواتنا بالإقصاء عن الشركة مع الله والإخوة.
وختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: لا نتعبّن من التنبّه إلى أفكارنا وتصرفاتنا لنتذوّق منذ الآن دفء وبهاء وجه الله الذي سنتأمله بملئه في الحياة الأبديّة.
وفي ختام مقابلته العامة وبمناسبة الاحتفال بعيد العذراء سيّدة غوادالوبي شفيعة أميركا اللاتينية وجه قداسة البابا رسالة قال فيها: يصادف غدًا عيد مريم العذراء سيدة غوادالوبي شفيعة أميركا، وللمناسبة أُحيي جميع الإخوة والأخوات في هذه القارة وأنا أتأمل بعذراء التيبيياك. عندما ظهرت العذراء لخوان دييغو اتخذت سمات امرأة تتوشح بثياب مليئة برموز من ثقافة السكان الأصليين. فهي على مثال يسوع، تقترب من أبنائها وترافقهم بعنايتها الوالديّة في مسيرتهم، وتشارك في أفراح ورجاء، آلام وخوف شعب الله المكون من جميع الرجال والنساء من كل عرق وأمة.
تابع البابا فرنسيس يقول إن ظهور صورة العذراء على رداء خوان دييغو هو علامة نبويّة لمعانقة مريم لجميع سكان الأراضي الأميركية الشاسعة، للذين كانوا يعيشون هناك في ذلك الوقت وللذين سيأتون من بعدهم. وغمرة مريم هذه تظهر دعوة القارة الأميركية بأن تكون أرضًا تعيش فيها شعوب مختلفة: أرض قادرة على احترام الحياة البشرية في جميع مراحلها منذ الحبل بها وحتى موتها الطبيعي، وأرض قادرة على استقبال المهاجرين والفقراء والمهمّشين في كل العصور، لأن أميركا هي أرض سخيّة.
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول: هذه هي رسالة العذراء سيّدة غوادالوبي، وهذه هي رسالتي أيضًا ورسالة الكنيسة. أشجع جميع سكان القارة الأميركية على أن يفتحوا أيديهم بمحبة وحنان على مثال العذراء مريم. وأسألكم أيها الإخوة والأخوات أن تصلّوا من أجلي. ليكن فرح الإنجيل دائمًا في قلوبكم، ليبارككم الرب ولترافقكم العذراء مريم.
إذاعة الفاتيكان