هل نحب بعضنا بعضًا كما أحبنا الله؟ «متفرقات
وصيّة أعطاها الرَّبُّ لتلاميذه، ولنا من بعدهم، أن نحبّ بعضنا بعضًا، ولكن تلي وصيّة الرَّبِّ لتلاميذه ولنا، عبارة مهمّة ألا وهي "كما أنا أحببتكم"، ليس أي حبّ، بل كما أحبّنا هو! فماذا تعني هذه العبارة: "كما أنا أحببتكم؟" قال يسوع: "وصيتي هي: أحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم. ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبَّائه. فإن عملتم بما أوصيتكم به كنتم أحبّائي" (يوحنا 15، 13- 14).
فعلامة الحبّ الحقيقيّ هي أن يبذل المرء نفسه في سبيل أحبّائه، وهذا ما فعله الرَّبُّ على الصَّليب.
قد يكون من السَّهل علينا أن نبذل أنفسنا ونضحِّي بذواتنا في سبيل أحبّائنا. وهذا ما قاله القدّيس بولس: “لا يكاد يموت أحدٌ من أجل امرئ بارّ، وربما جرؤ أحد أن يموت من أجل امرئ صالح. أمّا الله فقد دلّ على محبّته لنا بأنّ المسيح قد مات من أجلنا إذ كنا خاطئين".
أظهر الله محبّته لنا إذ مات المسيح من أجلنا ونحن كنّا لا نزال خطأة، أي بعيدين عنه بالفعل والقول والعمل. هكذا أحبّنا الله وهذه المحبّة التي يطلبها منّا تجاه بعضنا البعض: كما أحبَّ الزانية ولم يدنها، بل سامحها وأطلقها، كما أحبّ بطرس عندما أنكره، وكان أوّل من أظهر نفسه له، كما أحبّ يهوذا بالرّغم من معرفته المسبقة بأنّه سيخونه ويسلّمه، كما أحبّ الذين صلبوه، وطلب لهم المغفرة لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون، هكذا أحبّنا الله، ولكن هل نحبّ بعضنا بعضًا كما أحبّنا الله؟ إن كنّا صادقين مع أنفسنا ينبغي أن نجيب: "لا!!" لكن إذا أردنا أن نكون حقـًا تلاميذ الرَّبِّ وأحبَّائه كما أوصانا، فلا ينبغي أن نتوقـّـف عند هذه الـ"لا".
لنبدأ إذا بما يطلبه منّا القدّيس بولس: "أَزيلوا مِن بَينِكم كُلَّ شَراسةٍ وسُخطٍ وغَضَبٍ وصَخَبٍ وشَتيمة وكُلَّ ما كانَ سُوءًا. لِيَكُنْ بَعضُكم لِبَعضٍ مُلاطِفـًا مُشفِقـًا، ولْيَصفَحْ بَعضُكم عن بَعضٍ كما صَفَحَ الله عنكم في المسيح. إِقتَدوا إِذًا بِاللهِ شأنَ أَبْناءٍ أَحِبَّاء، وسِيروا في المَحَبَّةِ سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا “قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيِّبةَ الرَّائِحة" (أف 4، 31- 5، 2).
فالمحبّة، يقول القدّيس بولس: "تَصبِر، المَحبَّةُ تَخدُم، ولا تَحسُدُ ولا تَتَباهى ولا تَنتَفِخُ مِنَ الكِبْرِياء، ولا تَفعَلُ ما لَيسَ بِشَريف ولا تَسْعى إِلى مَنفَعَتِها، ولا تَحنَقُ ولا تُبالي بِالسُّوء، ولا تَفرَحُ بِالظُّلْم، بل تَفرَحُ بِالحَقّ. وهي تَعذِرُ كُلَّ شيَء وتُصَدِّقُ كُلَّ شَيء وتَرْجو كُلَّ شيَء وتَتَحمَّلُ كُلَّ شيَء" (1 كور 13، 4- 7). ويؤكّد القدّيس بطرس قائلاً: "المحبّة تستر كثيرًا من الخطايا".
تدعونا كلمة الله اليوم لنعيد النظر بمحبّتنا تجاه إخوتنا: "إِذا قالَ أَحَد: "إِنِّي أُحِبُّ الله" وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبّ اللهَ وهو لا يَراه. إِلَيكُمُ الوَصِيَّةَ الَّتي أَخَذْناها عنه: مَن أَحَبَّ اللهَ فلْيُحِبَّ أَخاه أَيضًا".
لا يمكننا أن نحقـِّق وحدنا وبقوّتنا هذه المحبّة، لكن لا يغيبنّ عن فكرنا أنّ الله لم يتركنا يتامى، بل أرسل لنا روحه القدّوس لكي يعين ضعفنا، ولا ننسى أبدًا أنّ أوّل ثمار الرّوح القدس هي المحبّة، محبّة الله غير المشروطة التي "انسكبت في قلوبنا بالرّوح القدس المُعطى لنا" (روم 5، 5) وأن "ثمر الرّوح القدس هو المحبّة والفرح، السّلام وطول الأناة واللّطف ودماثة الأخلاق والأمانة والوداعة والعفاف" (غل 5، 22- 23). طلب من الله أن يملأنا بمحبّته بنعمة الرّوح القدس، فنحبّ بعضنا البعض كما أحبّنا فنشهد ليسوع كتلاميذ وأحبّاء حقيقيِّين ونحمل ثمارًا صالحة للكنيسة وللملكوت.
الأب رامي الياس اليسوعي