نسيج العالم «متفرقات
"نسيج العالم"، هذا عنوان كتاب أعده أندريا موندا مدير جريدة أوسيرفاتوري رومانو، هو حوار بين ٤٤ من شخصيات ثقافية هامة ما بين كُتاب وفنانين ولاهوتيين وصحفيين. وقد كتب خاتمة هذا الكتاب الذي يصدر اليوم ٢٦ أيار مايو ٢٠٢٢ قداسة البابا فرنسيس. وأشار في البداية إلى تعليق الكاتبة الأمريكية دونا تارت عقب قراءتها هذا الإصدار، حيث وصفت ما نسرد من قصص ونعيد سردها ونتناقلها فيما بيننا بخيام نجتمع تحتها ورايات نسير وراءها في المعارك، وحبال لا تنكسر تجمع بين الأحياء والموتى. وتابعت الكاتبة حسب ما نقل الأب الأقدس إن تشابُك هذا النسيج الكبير من القصص عبر القرون والثقافات يربطنا بقوة أحدنا بالآخر وبالتاريخ، ويقودنا عبر الأجيال. وتابع البابا فرنسيس أن الكاتبة دونا تارت قد تنبهت إلى إحدى النقاط التي يتفق حولها الكثير من المشاركين في هذا الكتاب الحوار، أي السرد باعتباره نسيجا من حبال لا تنكسر يربط الجميع وكل شيء، الحاضر والماضي، ويوفر إمكانية الانفتاح على المستقبل بمشاعر ثقة ورجاء.
وواصل قداسة البابا أن هذا العامل كان في محور رسالته لمناسبة اليوم العالمي للاتصالات الاجتماعية سنة ٢٠٢٢. وذكَّر بأنه ومنذ شباط فبراير من هذا العام تم على صفحات جريدة أوسيرفاتوري رومانو نشر نصوص حفزتها هذه الرسالة، وهكذا طُلب منه أن يضع الخاتمة لهذه السلسلة الغنية والجميلة والتي أسعدته قراءتها حسب ما واصل. وقال البابا إنه قبل هذا الطلب شرط ألا يُعتبر ما سيكتب نهاية، وذلك لأن القصص لا تنتهي أبدا، هذا إلى جانب أن أحد الجوانب فائقة الجمال في هذا الكتاب هو حس الانفتاح والحوار.
ثم أراد البابا فرنسيس وقبل الحديث عن محتوى هذا الإصدار التوقف بشكل سريع عند منهج هذا الكتاب. وتابع أن هناك في البداية رسالة يتم إطلاقها، رسالة يتم تقاسمها وعرضها على بعض الشخصيات التي تُثري هذه الرسالة بإسهاماتها. ثم قرأ مَن قدم هذه الرسالة كل الإسهامات ليطلق تأملا جديدا أكثر غنى بفضل إسهامات الجميع. وبعد ذلك يدخل قارئ الكتاب إلى هذا الحوار مواصلا هذا في حياته اليومية. وها هي الخيام التي نجتمع تحتها حسب ما ذكرت الكاتبة الأمريكية في تعليقها، قال البابا، ها هو التشابك الذي يربطنا بقوة ببعضنا البعض وذلك أيضا عبر الأجيال. وأكد الأب الأقدس بالتالي أن كل هذا يقول لنا الكثير، وبشكل خاص أن الشيء الهام في رواية القصص هو السرد، ولكن قد يكون الإصغاء ما هو أكثر أهمية. وتحدث قداسته عن كون هذا الكتاب حوارا لا ينتهي مع صفحته الأخير، مضيفا أن هناك في هذا الإصدار حضورا كبيرا وهاما للصمت أيضا.
وفي حديثه عن محتوى الكتاب أراد البابا فرنسيس التوقف عند ثلاثة مواضيع هي الأكثر تكرارا فيما كتب المتحاورون في هذا العمل. وقال إنه قد تحدث عن الموضوع الأول أي السرد كعملية نسج، وأضاف أن الموضوع الثاني نجده في الإشارة إلى الصمت وهو موضوع السر، أما الموضوع الثالث فهو الشفقة. وتابع البابا أن النسج هو الجانب الذي ركز عليه كثيرون من المشاركين في الكتاب وقد سلط بعضهم الضوء على دور المرأة، بيننا أشار آخرون إلى الطابع الانصهاري للقصص والتي لديها رغم ذلك قوة ومسار مثل مياه منبع النهر التي تُلقي بنفسها في البحر بعد جريانها.
وعن السر قال قداسة البابا فرنسيس إن المشاركين في الكتاب يتحدثون عنه سواء بمعنى المحدودية أو أيضا السحر الذي يَبرز في لحظة الاستلهام الشعري كما يقول البعض في الكتاب. وتابع الأب الأقدس أن حس السر يقود إلى انفتاح على المتسامي، على بعد هو روحي بالتميز، ديني. وعاد البابا هنا مجددا إلى تعليق الكاتبة الأمريكية دونا تارت والتي ذكرت أن أفكار الأشخاص الآخرين تصبح لها فينا حياة غريبة، ولهذا فإن الأدب هو الفن الأكثر روحانية، وبدون شك الأكثر قدرة على التحويل. وذكرت الكاتبة أن هذا يفسر اهتمام الثقافات القديمة والحديثة بالقصص الساحرة والخطيرة أيضا، وذلك لأنه يمكن للشخص الإصغاء إلى قصة ليصبح في نهايتها شخصية أخرى تماما.
وتابع البابا فرنسيس أن هذا يقودنا إلى الموضوع الثالث، الشفقة. وذكَّر ببعض ما كتب المشاركون في الكتاب مثل الكاتبة ميرلين روبنسون والتي تذكرت القصص التي كانت ترويها لها أمها وما كانت تنشد لها من أغانٍ، وتأملت بالتالي في الشفقة بمعناها الأوسع فقالت إنها في حياة النفس، هو المقابل البشري للنعمة الإلهية. وذكَّر البابا فرنسيس أيضا بحديثها عن اثبات التاريخ أهمية السرد بالنسبة للجماعات. وواصل الأب الأقدس أن الشفقة هي واحدة من ثلاث ميزات لأسلوب الله إلى جانب القرب والحنان. وقال إنها قوة كبيرة لا يمكن قصرها على الجانب الداخلي فقط وذلك لأن لها بعدا عاما، اجتماعيا. وأضاف بالتالي أن السرد هو قوة الذاكرة وحارس للماضي، ولهذا فهو أيضا خميرة تحوُّل للمستقبل، وذكر أن الشفقة تجد لها ايقونة في شخصية السامري الصالح. ثم أشار قداسته إلى حديث بعض المشاركين في الكتاب عن بعد يمكن وصفه بالسياسي للسرد، ومنهم من وصف السرد بإحدى أقوى الوسائل المتوفرة لدينا لتغيير عالمنا.
إذاعة الفاتيكان.