انطباعات أوليّة حول الإرشاد الرسولي “فرح الحب” «متفرقات
مقابلة حصرية مع الاختصاصي في راعويات العائلة والزاوج الأب نجيب بعقليني
إنتظر الكثيرون الإرشاد الرسوليّ "فرح الحبّ" وبشكل خاص المعنيين براعويّة الزواج والعائلة.
1 - بصفتك أخصائيّ أكاديميّ وراعويّ بهذا الشأن، ما هي انطباعاتك الأولى حول الإرشاد الرسوليّ الجديد؟
- بالتأكيد الكثيرون من أبناء الكنيسة انتظروا الإرشاد الرسوليّ حول العائلة، لا سيّما بعد أعمال سينودوسَي سنة 2014 و2015 وما نتج عنهما من مناقشات واقتراحات وتوصيات من قبل آباء المجمع وبمشاركة العلمانيين من ممثلين عن العائلات وأهل الاختصاص والمراقبين.
فالإنطباع العام والأوّل بأن هذا الدستور الراعويّ وقّع في وقت يحتاجه المجتمع لا سيّما في ظلّ الأوضاع العصيبة التي يمرّ بها العالم أجمع والتي تؤثّر مباشرةً على حياة الثنائي والعائلة معًا، بطريقة سلبية ومؤذية.
فبالرغم من التحدّيات التي تواجهها العائلة تبقى كلمات الإرشاد قوّة فاعلة من أجل المواجهة والتعلّق بالقيم والمبادئ التي نستشفّها من الكتاب المقدّس. نعم إنّه نتيجة لإصغاء الروح القدس وعمل الكنيسة جمعاء، من أجل تدعيم الثقة وبثّ الأمل والرجاء في ضمائر وقلوب الرجال والنساء، الذين قرّروا “العيش معًا” من خلال سرّ الزواج وبناء عائلة، بأن الربّ يسوع يرافقهم ويساعدهم على تخطّي معظم الصعوبات والعراقيل من خلال عمل الروح القدس.
من ضمن الإنطباعات الأوّليّة، إنّ الإرشاد بحث وقدّم حلولاً عمليّة لقضايا ملموسة وذلك بعد الاستماع إلى مشاكل العائلة وصعوباتها. فأتت بعض "المخارج الراعويّة” من تبسيط إجراءات بطلان الزواج وتسريعها، ومعالجة أوضاع المطلّقين والمتزوّجين ثانيةً، للتقدم من مناولة القربان المقدّس، من خلال إعطاء صلاحيّة للرعاة للمرافقة والقدرة على "التمييز" في كلّ حالة على حدة. وكلّ هذا يجري تحت عنوان الحبّ والرحمة ومن دون إدانة أحد. فالإرشاد هو راعويّ وتعليميّ يؤكّد من جديد اهتمام الكنيسة بأوضاع العائلات لا سيّما المجروحة منها.
2 - اعتقد بعض المحلّلون بانّ البابا فرنسيس سيولّد شقًّا في تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة بشأن مواضيع شائكة مثل الطلاق، المناولة للمطلّقين، وسائل منع الحمل، الزواج (الاتّحاد) المِثْلي.
كيف يمكننا أن نصنّف الرسالة؟ تقليديّة أو ثوريّة؟ وبأي نقاط؟
- قبل أن تصدر الرسالة رسميًّا وعلنيًّا، أرسل البابا فرنسيس التصميم العام إلى جميع رؤساء مجالس الأساقفة الكاثوليك في العالم، لإبداء الرأي والتعليق من خلال ملاحظاتهم. زِد على ذلك، أنّ الرسالة أتت نتيجة الحوارات والنقاشات والتصويت، مما يدلّ على تأكيد عقيدة الكنيسة وتعاليمها.
إنّ الرسالة محاولة متقدمة للخروج من النمط الجامد، علمًا بأنّها ركّزت وشدّدت على أهمية الحبّ وسلّطت الضوء على معنى الزواج المسيحيّ والعائلة، لأنّ هناك سوء فهم للقيم والمبادئ ولماهيّة الزواج والعائلة. "المخارج الراعويّة" وجعل حالات بطلان الزواج أكثر "سهولة" ومرونة، وغيرها من الاقتراحات العمليّة ما هو إلاّ تأكيد على أنّ الكنيسة تسمع وتتفهم وتستقبل وترافق وتعلّم وتحمل الرحمة مع الحقيقة والعدالة.
ومع هذا يبقى موقفها أو تحركها تجاه المستجدات أو المعضلات جامدًا أو بطيئًا فهي تعطي الوقت الكافي لإبداء الرأي والمعالجة. وبالتالي أتت الرسالة بمثابة فسحة أمل ورجاء حيث تعطي الكنيسة الشعور للمؤمنين بأنّها "قريبة" وأبوابها "مفتوحة للجميع" وهذا ما أكّده البابا بقوله "بأنّه يجب معالجة الأمور بلغة جديدة". فالخيارات الراعويّة شُجاعة وأتت ملموسة وقابلة للتطبيق من دون المسّ بجوهر العقيدة.
3 - كيف تشرح بشكل مبسّط "مستجدات" الرسالة للمتزوّجين الذين يواجهون فشلاً لا رجوع عنه في علاقتهم؟
- تحمل الرسالة في طياتها كلّ الاحترام للذين يعانون من الإنفصال والطلاق والمساكنة وحتى اختيارهم الزواج المدنيّ بدل الزواج الكنسيّ. فالرسالة بفحواها لا تريد التخلّي عن أحد وهذا لا يعني بأنّها تعترف وتبارك جميع أنواع السلوكيات والممارسات بخاصة عندما تكون بعيدة عن معنى الزواج والعائلة.
إنّها دعوة للسير مع هؤلاء الأشخاص والالتقاء بهم والنضال معهم من أجل اكتشاف الحقيقة والدخول في الطريق الصحيح لتغيير المسار وذلك بالتوبة والإهتداء إلى مفهوم الكتاب المقدّس ومضمونه.
من هنا نفهم تمامًا إعادة التشديد على مفهوم الحبّ وعيشه وأهميّته ونتائجه الإيجابيّة على العلاقة بين الثنائي في احترام مفاهيم الحياة والدخول في مشروع الله الخلاصيّ لأبنائه بالرغم من الفشل. فرحمة الله وتدبيره الإلهيّ يهبان هؤلاء الأشخاص "التمييز" على العودة إلى الدرب الصحيح لأنّ الحقّ يحرّر الإنسان. فالرسالة هي نداء للرّجاء في قدرة الحبّ وقوّته لتصحيح الطريق.
4 - ما يميّز الرسالة (خصوصًا في الفصل السادس) هو البُعد الشمولي لمرافقة الحالات الخاصة. الكثيرون ممَّن يعيشون شخصيًّا هذه الحالات يتذمّرون ويتأسّفون لأنّ رعاة الكنيسة لا يرافقونهم بشكل مؤاتٍ (مفضلين على سبيل المثال الأمانة للمبادئ القانونيّة على الحسّ الراعويّ). كأخصائيّ شؤون الزواج والعائلة، ما هي النصائح التي تقدّمها على ضوء الإرشاد الرسولي؟
- بما أنّ الكنيسة تدافع عن الحبّ وقدسيته وقدسيّة الحياة وعن الرباط الزوجيّ وديمومته كعلامة لنعمة الله ولقدرة الإنسان على الحبّ بجديّة، لا بدّ لها أن ترافق جميع الأزواج والعائلات لا سيّما المتعثّرين منهم.
فالعمل الراعويّ يتطلّب أشخاصًا متمرّسين على "فنّ المرافقة" والتي تكون مستمرة ومطمئنة تحت عنوان "القدرة على التمييز". فالمرافقة يجب أن تكون نابعة من المحبّة وعدم الإدانة لكي تؤتي ثمارها. فعندما تستقبل المرافقة المتعثّرين وتتفهّم الخلل والضعف، لا بدّ للمرافقين الإحاطة بهم وليس التمسّك فقط بالمبادئ القانونيّة والتوقف عندها، مع ضرورة الولوج إلى نيّة وقلب الثنائي المتعثّر.
إنّ التواصل مع الأشخاص المتعثّرين في علاقتهم الزوجيّة والعائليّة عليهم إمّا طلب المرافقة أو قبولها من قبل الرعاة والعمل معًا على تذليل الصعوبات. فالثقة والتكاشف والحوار والإتصال تساعد على الدخول في حالة من الوعي والإدراك. فالأشخاص مدعوّون لفتح قلوبهم وقبول بعض النصائح والإرشادات وتطبيقها من أجل تخطي معظم الحواجز التي تعيق العودة إلى السلام والطمأنينة.
إنّ الرعاة مدعوّون لمرافقة هؤلاء الأشخاص عن قرب وباهتمام كبير بالرغم من حالتهم المستعصية، لأنّهم أيضًا يشكّلون جسد المسيح السريّ. إنّنا نؤكّد بأنّ المرافقة يجب أن تكون قبل الزواج وبعده ولا تقتصر فقط على الأزواج المتعثّرين بل على معظم الأزواج، أقله في السنوات الأولى. فالمرافقة الفرديّة أو الانخراط في "الجماعات العيليّة" يُسهمان في المحافظة على الرباط المقدّس ونجاحه.
5 - ما هي الخطوات الكنسيّة والراعويّة والعائليّة التي يجب القيام بها كي لا يبقى الإرشاد حبرًا على ورق؟
- أوّد أن أُلفت أنّ الإرشاد لا يقوم فقط على تقديم الحلول، وإنّما يباشر بعمليّة إستباقيّة ووقائيّة لتفادي وقوع الثنائيّ في الخلل أو الضعف. وهذا عندما يذكّر بالمبادئ والقيم والحبّ وإلى آخره. إنّ العمل الراعويّ من خلال تعليم الكنيسة وتوجّهاتها (أي الإرشاد الرسوليّ)، عليه القيام بالتنشئة للشباب الذي يتحضّر للزواج وأيضًا للمتزوّجين.
بالتأكيد المحاضرات والندوات وغيرها حول الإرشاد الرسوليّ تمكّن الرعاة والعائلات بنشر التوعية والتنشئة على الحبّ والتربية على الأخلاق والمبادئ. فالكنيسة تملك الوسائل والطرائق لنشر الإرشاد وتطبيقه. إنّ الإصغاء لكلمة الله من خلال الروح القدس، يساهم في بناء حياة روحيّة ومسيحيّة، لذا العمل الراعويّ يجهد في المساعدة لعيش الإنجيل والشهادة له في العائلات والمجتمع.
أخيرًا لا بدّ من تسليط الضوء على الزيجات الناجحة والعمل مع المجتمع المدنيّ لتحقيق الحبّ المبنيّ على التضحية الذي يقود الأشخاص إلى رفض الفرديّة والانعزال والتفرّد. فالعائلة المبنيّة على الحبّ تؤكّد كلام الإرشاد الرسوليّ وتحقّقه من خلال الشهادة وعيش الزواج الغير القابل للإنحلال مُدعمًا بعمل الروح القدس وعيش الإنجيل وتطبيقه.
الأب نجيب بعقليني
- يحمل إفادة في اللاهوت العقائديّ، ودكتورا في اللاّهوت الراعويّ.
- أخصائي في راعويّة الزواج والعائلة.
- خدم عدّة رعايا كما عمل في الإدارة التربويّة والتعليم: نائب رئيس الجامعة الأنطونيّة، المدير الماليّ والإداريّ للجامعة الأنطونيّة، مدير الجامعة الأنطونيّة فرع زحلة والبقاع، رئيس مدرسة مار روكز الأنطونيّة رياق، مدير المعهد الأنطونيّ بعبدا.
- عمل في الحقل الراعويّ: إصدار كتب ومقالات، مقابلات وبرامج تلفزيونيّة وإذاعيّة، محاضرات وندوات.
- صدر له:
- الطريق إلى الزواج (بالعربيّة والفرنسيّة)
- حبّ واستمرار
- كي نبقى معًا
- لقاء وعهد
- المرأة والتّنمية
- الإعداد لسرّ الزواج في الكنيسة المارونيّة (بالعربيّة والفرنسيّة)
موقع زينيت