القديس يوسف أب يتقبل ويحرس ويحلم «متفرقات
استقبل قداسة البابا فرنسيس يوم الخميس في القصر الرسولي وفدا من المعهد الحبري البلجيكي لمناسبة مرور 175 سنة على تأسيسه. وسلَّم الأب الأقدس ضيوفه كلمة كان قد أعدها لهذه المناسبة توقف فيها عند شخصية القديس يوسف، عشية الاحتفال بعيده وخلال السنة المكرسة له، وذلك لاستخلاص بعض النقاط الخاصة بهوية الراعي وبكيفية ممارسة الأبوّة إزاء الموكلين إلينا حسب ما ذكر البابا.
وبدأ الأب الأقدس تأمله مشيرا إلى أن القديس يوسف أب يتقبل، فقد أحب وقبل مريم ويسوع، زوجة وطفل يختلفان عن الرؤية التي كان يمكن أن يتمناها للعائلة، ولهذا تحديدا حرسهما وأحبهما بشكل أكبر. وتابع البابا أن القديس يوسف لم يبحث عن تفسير للواقع المفاجئ والغريب الذي وجد نفسه أمامه بل قبله بإيمان وأحبه على ما هو عليه. ومن هذا المنطلق فإن القديس معلم حياة روحية وتمييز ويمكننا أن نتوجه إليه للتحرر من حبال التفكير المفرط الذي نضيع فيه في بعض الأحيان وإن كان انطلاقا من نوايا حسنة. وأضاف الأب الأقدس أن هذا التفكير هو تعبير عن ميلنا إلى الإمساك بما يحدث والسيطرة عليه بدلا من تقبله كما هو.
وأراد قداسته هنا إعطاء مثل قريب لضيوفه وهو مَثل الكاهن الذي يأتي إلى رعية جديدة والذي لا يمكنه انطلاقا من أفكار رعوية شخصية يتوق إلى تطبيقها أن يتجاهل ما لجماعة هذا الرعية من تاريخ، ما بين أفراح وجراح، غنى وفقر. وحذر البابا من هذا الخطر مشددا على أن الراعي الجديد يجب أن يحب الجماعة بمجانية لمجرد كونه قد أُرسل إليها، ومن خلال محبته لها سيتعرف عليها بشكل عميق تدريجيا وسيتمكن من توجيهها إلى دروب جديدة.
نقطة أخرى توقف عندها البابا فرنسيس في تأمله هي كون القديس يوسف أبا يحرس، وقال إن كونه حارسا هو جزء أساسي من دعوته ورسالته، وهي مهمة عاشها القديس يوسف برصانة وتواضع وفي صمت، ولكن بحضور دائم وبأمانة تامة، أيضا حينما كان يتعذر عليه الفهم. عاشها في انتباه دائم لله، منفتحا على علاماته، ومستعدا لتنفيذ مخطط الله، وليس مخططه الشخصي. تحمَّل القديس يوسف بالتالي واجبه بالحرية الداخلية لخادم صالح وأمين يتطلع فقط إلى خير الأشخاص الموكلين إليه. وواصل الأب الأقدس أن الحراسة بالنسبة للقديس يوسف، ولكل كاهن يستلهم منه الأبوة، تعني محبة الموكلين إليه بحنان والتفكير قبل كل شيء في خيرهم وسعادتهم برصانة وسخاء متواصل. وشدد البابا على أن الحراسة هي تصرف داخلي يقود إلى عدم إبعاد النظر عن الآخرين أبدا وتقييم متى علينا الابتعاد ومتي علينا أن نقترب محتفظين بقلب يقظ ومتنبه ومُصلي. وقال الأب الأقدس أن هذا هو تصرف الراعي الذي لا يترك قطيعه أبدا بل ينطلق مكانه بالنسبة للقطيع من الاحتياجات الملموسة للحظة.
فقد يكون في المقدمة ليفتح للقطيع الطريق، أو في وسطه لتشجيعه، أو في المؤخرة لاستقبال الأخيرين. على الكاهن بالتالي أن يكون حارسا منتبها ومستعدا للتغيير حسب ما يتطلب الوضع، لا أن يكون جامدا فيمارس خدمته ربما بشكل جيد لكنه غير قادر على لمس تغيرات الجماعة واحتياجاتها. على الراعي أن يحب قطيعه ويعرفه وأن يضع في المركز لا ذاته أو أفكاره بل خير مَن هن مدعو إلى حراستهم، متفاديا نزعات الهيمنة أو عدم الاهتمام.
هذا وكان كون القديس يوسف أبا يحلم جانبا آخر توقف عنده البابا فرنسيس مؤكدا أنه لم يكن شخصا حالما منفصلا عن الواقع، بل كان قادرا على النظر أبعد مما يرى وذلك بنظرة نبوية، وعلى التعرف على تصميم الله حيثما لا يرى آخرون شيئا. وهكذا كان واضحا لديه الهدف وتَمَكن من أن يرى في مريم وبسوع لا زوجة شابة وطفلا، بل رأى فيهما فعل الله وحضوره. وتابع البابا أن القديس يوسف فضَّل أن يؤمن بالله لا بشكوكه، وقدم نفسه كأداة لتنفيذ مخطط أكبر في خدمة تميزت بالسخاء والخفاء. وشدد الأب الأقدس بالتالي على ضرورة أن يحلم الكاهن بالجماعة التي يحبها كي لايقتصر على الحفاظ على ما هو قائم. على الكاهن أن يكون مستعدا للانطلاق من واقع الأشخاص لتعزيز ارتداد وتجدد بالمعنى الإرسالي وإنماء جماعة في مسيرة، جماعة تلاميذ يقودها الروح القدس وتحفزها محبة الله.
وفي ختام كلمته إلى وفد المعهد الحبري البلجيكي دعا البابا فرنسيس ضيوفه إلى أن يعيدوا اكتشاف شخص ورسالة القديس يوسف، وذلك بالصلاة في المقام الأول. وأكد قداسته أنه من المفيد للكهنة أن يتعلموا من القديس يوسف الأبوة. وختم مؤكدا مرافقته الجميع بالصلاة والبركة سائلا إياهم الصلاة من أجله.
إذاعة الفاتيكان.