افرحوا بقدر ما تشاركون المسيح «متفرقات
ما هو سرّ الأيّام العشرة الّتي تفصل بين الصُّعود والعنصرة؟ بعد أن تراءى يسوع لتلاميذه مدّة أربعين يومًا تركهم وصعد إلى السّماء، وقد أوصاهم بأن ينتظروا إلى أن يُلبسوا قوّة من علُ فيجوبون الأرض يبشّرون باسمه ويعلنون الغفران الإلهيّ لكلّ البشر.
وبين الصّعود والعنصرة ماذا لدينا؟ لدينا جماعة مواظبة على الصّلاة، تحيا من ذكرى يسوع، وتنتظر أن تُرسل بالرّوح عينه الّذي به أرسل الآب يسوع. تشبه هذه الأيّام العشرة الأشهر التسعة الّتي قضاها يسوع الجنين في رحم أمّه: التجسّد قد تمّ، أمّا الميلاد فبعد.
عمل المسيح قد تمّ، والعلامة هي هذه الجماعة المصلّية، ولكن ما تمّ لم يظهر بعد، لم يواجه بعد صراع العالم. لا يزال محفوظًا في شعور مشترك: شعور التلاميذ ومريم بما عمل المسيح من أجلهم. لا يزالون محفوظين في صلاة يسوع من أجلهم، حتّى إذا واجهوا العالم لا ينكسر شعورهم المشترك أمام صراعات البشر. وفي هذه التربية الإلهيّة يتحضّرون للمواجهة. لا يتحضّرون بالتسلّح ولا بالتخطيط، بل بأن يذكروا يسوع المسيح، لأنّهم هم الآن جسده الباقي في العالم، بعد أن صعد عنهم إلى الآب.
هذه الأيّام العشرة هي نواة الكنيسة، الّتي تلتئم في العلّيّة حيث قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري". يستذكرون كلماته ويكسرون الخبز إحياءً لعمله. نواة الكنيسة هي الإفخارستيّا. بالإفخارستيّا يلتئم المؤمنون ويتذكّرون كلام الربّ عن طريق القراءات، ثمّ يكسرون الخبز ويتناولونه، ليتقوّوا لكي يواجهوا العالم.
نواة الكنيسة: حيث يجب أن تعود الكنيسة لكي تتجدّد، لكي تشفى من جروح العالم، لكي تتغذّى من القوت الّذي يجعلها جسد المسيح الباقي في العالم. تعود الكنيسة إلى النواة، إلى المصدر، حيث هي مرغوبة، لا كما في العالم، حيث تتذكّر أنّها محبوبة عروسًا يبذل عريسها جسده من أجلها، حيث تهذّ بكلماته يصلّي إلى أبيه ليحفظها من العالم.
ليس مكان على الأرض مثل البيت، حيث أنا محبوب لا لشيء سوى لأنّي أنا. والعلّيّة – الإفخارستيّا هي بيت المؤمنين. إلى الكنيسة نذهب في أفراحنا، ليباركها الله ويحفظها من الشرّير؛ إلى الكنيسة نذهب في أحزاننا، ليشفينا حبّ الله من موت العالم؛ إلى الكنيسة نذهب في كلّ أحد، ليغذّينا المسيح بكلماته وبجسده وبذكراه.
وذكرى يسوع المسيح تعيدني إلى الطريق، كما الله أعاد موسى من جبل حوريب، كما يسوع يعيد بطرس ويعقوب ويوحنّا من جبل التجلّي، يعيدني لكي أتمّ أنا أيضًا العمل الّذي يرسلني الآب لإتمامه، فأكون حقًّا جسد المسيح في العالم.
نعم! أقامنا المسيح وأرسلنا لنحمل ثمرًا في العالم، ولكنّنا إن لم نعد إلى الحبّ الأوّل، حيث تلتئم الجماعة الأولى باسم المسيح، "ذاكرين حبّه أكثر من الخمر" كما يقول نشيد الأناشيد، لن نثمر ثمار المسيح، بل ثمار العالم، الّتي لو كان لها القدرة على خلاصنا لما أوصانا الربّ بحفظ ذكراه.
لو كنا نرسل أنفسنا لما كان لنا قوّة من علُ، ولكن لأنّ الله يرسلنا، علينا أن نذكر يسوع المسيح ونحتفل بالشعور المشترك الّذي كان بين الرُّسل وأمّ يسوع، وهو اليوم حاضر لنا إن طلبناه، وفيه نطوي أيّامنا إلى أن يجمعنا مع المسيح الّذي هو حياتنا، في صميم الآب.
الأب داني يونس اليسوعيّ