لَستُ أَهلًا لِأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقفي «القوت اليومي
إن ابن الله الوحيد، الذي أراد مشاركتنا بأُلوهيّته، اتّخذ طبيعتنا بغية تأليه البشر، هو من تجسّد متّخذًا لنفسه جسدًا بشريًّا. ومن ناحية ثانية، ما أخذه منا، أعطانا إيّاه كاملاً لنَخْلص. وبالفعل، لقد قدّم جسده على مذبح الصّليب ذبيحةً لأبيه الآب بغية مصالحتنا معه؛ وسفك دمه ليكون في الوقت نفسه فديتنا وعمادنا: سنُطَهَّر من كل خطايانا كوننا افتُدينا من عبودية مؤسفة. ولكيّ نُبقي معروفًا بهذا الحجم في ذاكرتنا دومًا، ترك لأتباعه جسده مأكلًا ودمه مشربًا، تحت شكلي الخبز والخمر.
يا لها من وليمة ثمينة ومدهشة، تأتي بالخلاص وهي مفعمة بالعذوبة. هل من وليمة أثمن من تلك التي لا يُقدَّم لنا فيها مأكل لحم العجول والماعز، على غرار الشّريعة القديمة، ولكن يُقدَّم لنا فيها الرّب يسوع المسيح الذي هو حقًا الله؟ هل من شيء أروع من هذا السرّ؟... ما من سرّ يُنتِج مفاعيل أكثر خلاصيّة من هذا: إنّه يمحي الآثام، ويُكثر الفضائل ويفيض على النّفس بالمواهب الرّوحية كافةً. إنّه يُقدَّم في الكنيسة للأحياء والأموات منفعةً للكل، بما أنّه تأسِّس لخلاص الكل.
ما من أحد يستطيع أن يعبّر عن بهجة هذا السّر، بما أننا نستطيب العذوبة الرّوحية من منبعها؛ ونحتفل بذكرى هذا الحب الذي لا يضاهى والذي أظهره الرّب يسوع المسيح في آلامه. أراد أن يحفر في قلب أتباعه عظمة هذا الحب بشكل أعمق. لذا، خلال العشاء السرّي وبعد الاحتفال بالفصح مع تلاميذه، عندما كان سينتقل من هذا العالم إلى أبيه (يو 13: 1)، أسس سرّ الإفخارستيا كذكرى خالدة لآلامه، وكإتمام للنبوءات القديمة، وكأعجوبة تضاهي سائر أعاجيبه. ولأولئك الذين كان غيابه سيملؤهم حزنًا، ترك لهم هذا العزاء الذي لا مثيل له.
القدّيس توما الأكوينيّ
(1225 - 1274)