سبت أسبوع الموتى المؤمنين «الإنجيل
إنجيل اليوم (لو 12/ 49-59)
49 "جِئْتُ أُلقي على الأرضِ نارًا، وكم أوَدُّ لو تكونُ قدِ اشتعلتْ!
50 ولي مَعموديّةٌ أتَعمَّدُ بها، وما أشدَّ تَضايُقي إلى أن تَتِمّ!
51 هل تَظُنُّون أنِّي جِئْتُ أُحِلُّ في الأرضِ سلامًا؟ أقولُ لكم: لا! بل انقِسامًا!
52 فمُنذ ُ الآن َ يكونُ خمسَةٌ في بيتٍ واحد، فينقسِمون: ثلاثةٌ على إثنَين، وإثنانِ على ثلاثة!
53 يَنقسِمُ أبٌ على ابنِهِ وابنٌ على أبيه، أمٌّ على ابنتها وابنَةٌ على أمِّها، حَماةٌ على كَنّتِها وكَنَّةٌ على حَماتِها!".
54 وقال أيضًا للجُموع: "متى رأيتُم سَحابَةً تطلعُ مِن الغرب، تَقولون في الحال: المَطرُ آتٍ! فيكونُ كذلك.
55 وعندما تهُبُّ ريحُ الجنوب، تقولون: سيكونُ الطقسُ حارًا! ويكونُ كذلك.
56 أيُّها المُراؤون، تعرفون أن تُميّزوا وجهَ الأرضِ والسّماء، أمّا هذا الزّمان فكيفَ لا تُميّزونه؟
57 ولماذا لا تحكمون بالحَقِّ مِن تِلقاءِ أنفسِكُم؟
58 حين تذهبُ معَ خَصمِكَ إلى الحاكِم، اجتَهِدْ في الطّريق أن تُنهيَ أمرَكَ معهُ، لئلّا يَجُرَّكَ إلى القاضي، ويُسلّمُكَ القاضي إلى السَّجّان، والسَّجّانُ يطرَحُكَ في السِّجن.
59 أقول لكَ: لن تَخرُجَ مِن هناكَ، حتّى تؤدّي آخِرَ فلس".
أوّلًا قراءتي للنصّ
أعطِيَ لنصّ إنجيل اليوم، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، ثلاثة عناوين.
الأوّل "لماذا جاءَ يسوع؟" (49-53)، له نصّ موازٍ في متّى (10/ 34-36)، وله شرح في زمن العنصرة – الأسبوع الحادي عشر- يوم السبت.
الثاني "علامات الأزمنة" (54-56)، له نصّ موازٍ في متّى (16/ 2-3)، ولهذا الأخير شرح في زمن العنصرة – الأسبوع السادس – يوم الخميس.
الثالث "في المصالحة" (57-59)، له نصّ موازٍ في متّى (5/ 25-26)، ولهذا الأخير شرح في زمن التذكارات – أسبوع الأبرار والصدّيقين – يوم الخميس.
يستخلص "كتاب القراءات"، من هذا النصّ، الأمثولة التالية: يأمر يسوع تلاميذه بأن يثبتوا على حبّه أكثر من كلّ شيء وكلّ احد، بل أن يموتوا في سبيله، مستعدّين لحكم الله الدّيّان؛ وجاء في "الترجمة اللّيتورجيّة"، حول الآيتين (49-50) الملاحظة التالية: لا يذكر الإنجيليّ إطار هاتين الآيتين التاريخيّ، ويعني بالمعموديّة موت يسوع، وبالنّار الرّوح القدس الذي سوف يُعطيهِ يسوع بعد موته وقيامته.
3- الآيات (49-53): لماذا جاء يسوع؟
يكشفُ يسوع لتلاميذه، على مسمع من الجموع، عن المهمّة التي لأجلها جاء إلى العالم، قائلا: لقد جئتُ إلى العالم لكي أتمّم التدبير الخلاصيّ الذي صمّمه الآب، وكان العهد القديم تحضيرًا لمجيئي، وإنّي راغبٌ أشدّ الرّغبة في ذلك، ومتضايق إلى أن يتمّ هذا التّصميم بمعموديّة أتعمّد بها، معموديّة الموت على الصّليب، وباشتعال نارٍ أُلقيها على الأرض، بإرسال الرّوح القدس وحلوله على التلاميذ، في الكنيسة وفي العالم.
ويتابع يسوع كلامه قائلًا: لقد جئتُ إلى العالم لأدعو النّاس إلى هذا الخلاص، وستُحدِث دعوتي هذه، لا سلامًا، بل انقسامًا في العائلة الواحدة وفي الجماعة الواحدة، بمعنى أنّ الإيمان بي لن يكون بالوراثة فقط، بل بنعمة خاصّة ومجّانيّة من الله، وبحريّة اختيارٍ شخصيّة؛ ولقد حدث فعلًا هذا الانقسام، وبخاصّة في أوائل الكنيسة، إذ بعض أفراد العائلة الواحدة قبلوا الدعوة، وبعضُهُم رفضها.
وهكذا انقسَم النّاس إلى مؤمنين بيسوع المخلّص، وإلى غير مؤمنين به؛ أضِفْ إلى ذلك أنّ هذا الانقسام قد تناول فئة المؤمنين بالذات، لا على صعيد الكنائس وخلافاتها العقائديّة والقانونيّة فحسب، بل وخاصّة، على صعيد الأفراد المؤمنين، إذ تسامى البعضُ منهم في إيمانهم وعيشهم لمُقتضيات هذا الإيمان، وصاروا فئة متميّزة، فئة القدّيسين، "منقسمة" عن باقي المؤمنين العاديّين.
الآيات (54-56) علامات الأزمنة.
يتوجّه يسوع إلى الجموع، على مسمع من تلاميذه، في موضوع "علامات الأزمنة"، فيقول لهم: تميّزون جيّدًا وبسهولة علامات الطبيعة، وجه الأرض والسّماء، فتتوقّعون صحيحًا، الأحداث التي تدلّ عليها، أمّا علامات الزمان، فكيف ولماذا لا تُميّزونها؟ إنّكم لـَـمُراؤون إذ يُمكنكم أن تميّزوا أيضًا هذه العلامات لو كانت لكم النيّة الصّالحة! قد تعامل يسوع ويتعامل مع البشر، بحسب نيّتهم، ويتميّز عنّا، في هذا المجال، بمعرفته للنوايا الخفيّة، وبالتالي، باتّخاذ المواقف المتناسبة مع نوايا المتعاملين معه...؛ لقد أراد الربّ الخير لكلّ إنسان، ولكن شرط أن يقترب هذا منه بنيّة صادقة وصافية.
الآيات (57-59) في المصالحة.
يتناول يسوع هنا، "واقع الخصومة" بين الناس، الواقع الذي يتكوّن بشتّى المواضيع العمليّة والمختصّة بعلاقات الناس المتبادلة، ومصالحهم الفرديّة والجماعيّة، والتي لا تَوافُق فيما بينهم حولها؛ يدعو يسوع الجميع إلى الحكم صراحة بالحقّ، كلّا مِن تِلقاء نفسه، دون محاولات إخفاء هذا الحقّ بالكلام الكاذب؛ وإذا ما تَفاقمَ التخاصُم والتنازُع بين البعض إلى حدّ اللّجوء إلى المحاكمة البشريّة، ففي هذه الحال، يدعو يسوع الجميع، وتلاميذه والمؤمنين به، إلى بذل أقصى الجهود لاستباق المحاكمة، باسترضاء الخصم والتفاهم معه حتّى غزالة الخصومة والاستغناء عن المحاكمة البشريّة، التي قد تأتي غير عادلة، وتقود دائمًا هذا أو ذاك من المتقاضين إلى أيدي السّجّان، إلى السّجن، وإلى البقاء فيه حتّى إيفاء آخر فلس، أي حتّى تنفيذ الحكم الصادر بكامله؛ فإذا كان استرضاء الخصم البشريّ، مهما كلّف، أفضل من المحاكمة، فكم يكون استرضاء الله، خلال هذه الحياة ودروبها، أفضل بأضعاف مَرّات لا عدّ لها من التعرّض لحكم الله الدّيّان!.
ثانيًا قراءة رعائيّة
الآية (49)
لماذا جاء يسوع؟ لكي يشعل النّار على الأرض؛ ترتبط النّار هنا، بالدّينونة، فتمرّ على أعمالنا، إمّا لتحرقها فتصبح رمادًا، وإمّا لتنقـّـيها كما تنقـّي المعادن؛ يبقى على المؤمن أن يتّخذ قراره، ويبدّل حياته (رسل 2/ 3؛ 1قور 3/ 12-13)؛ (ولكن هل أتى يسوع ليدين العالم، أم ليُخلّص العالم؟).
الآية (52)
جاء يسوع يحمل السّلام "المسيحانيّ" للعالم (لو 1/ 79)؛ ما جاء ليحمل السّلام المذكور هنا، أي السّلام الذي يُعلنه الأنبياء الكذبة (إر 6/ 14؛ 8/ 11؛ حز 13/ 10-16)؛ بل جاء يسوع يحمل "السّيف" (متى 10/ 34)، والانقسام إلى العائلة، حين يأخذ أحد أفرادها موقف إيمان به، وهكذا ينفصل عن ذويه وإخوته.
الأب توما مهنّا