الجمعة من أسبوع الكهنة «الإنجيل
إنجيل اليوم (لو 22/ 24-30)
24 قامَ أيضًا بين التّلاميذِ جِدال: "مَن مِنهُم يُعَدُّ أعظمهُم؟".
25 فقالَ لهُم يسوع: "إنَّ مُلوكَ الأممِ يَسودونَهُم، والمُتسلّطون عليهِم يُدعَون مُحسِنين.
26 أمَّا أنتُم فلستُم هكذا. بل ليَكُنِ الأعظَمُ فيكُم كالأصغر، والرّئيسُ كالخادِم.
27 فمَن هُوَ الأعظمُ؟ أهوَ المُتّكِئُ أم الخادِم؟ أليسَ المُتّكِئُ؟ ولكنّي أنا في وَسطِكم كالخادِم!
28 وأنتُم الذين ثبتُّم معي في تجاربي،
29 فإنّي أُعدُّ لكُم الملكوت كما أعدَّهُ لي أبي،
30 لتأكلوا وتشربوا على مائدتي، في ملكوتي. وستجلسون على عُروش، لِتَدينوا أسباط إسرائيل الاثنَي عشر".
أوّلًا قراءتي للنصّ
أُعطِيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، في "الترجمة الليتورجيّة"، العنوان التالي: "مَن هو الأعظم؟"؛ لهُ نصّ موازٍ في متّى (18/ 1؛ 20/ 25-28)، وآخر في مرقس (9/ 34؛ 10/ 42-45)؛ في متّى (18/ 1)، يسألُ التّلاميذ يسوع عمَّن هو الأعظم في ملكوت السّماوات، فيُجيبُهُم يسوع، بصورةٍ جذريّة، ويطلب منهم أن يعودوا ويصيروا أطفالًا ليتمكّنوا من دخول الملكوتِ الجديد (مر 9/ 33-39؛ لو 9/ 46-48)؛
أمّا في يوحنّا (3/ 3)، فيُجيب يسوع نيقوديموس، بصورة أكثر جذريّة، ويطلبُ منه أن يولد من جديد؛ وفي متّى (20/ 25-28)، يُعطي يسوع تعليمه في السّلطة، وفي الحصول على المرتبة الأولى، لتلاميذه على أثر طلب أمّ يعقوب ويوحنّا، ابنَي زبدى، منه أن يُجلِسَ في ملكوتِه، واحدًا من ابنَيها، عن يمينه، والثاني عن يساره؛ بينما يُعطي يسوع التّعليم نفسه، في مرقس ولوقا، على إثر جِدال بين التّلاميذ حول مَن منهم يُعَدّ أعظمهم!
الآيات (25-27)
لا يرفض يسوع فكرة "الأعظم"، وفكرة "الرّئيس" بين التّلاميذ، وبالتالي، بين المؤمنين به، لأنّ لا جماعة من دون سلطة، وهذه بالنسبة إلى الجماعة، هي كالغريزة بالنّسبة إلى الحيوان، وكالقانون الطبيعيّ بالنسبة إلى الأشياء؛ ولكنّ يسوع يرفض أن يكون الأعظم أو الرّئيس في تلاميذه، كالأعظم أو كالملك في الأمم، لأنّ هذا يعتبر نفسه غير الجميع، ومتميّزًا عنهم وأرفع منهم، فيسودهم ويُمارِسُ التسلّط عليهم، ويحملهم على أن يدعوه "محسنًا"، وهذا لقب من ألقاب الآلهة والأبطال؛ بينما الأعظم والرّئيس في تلاميذ يسوع والمؤمنين به، هو كما يسوع ذاته في وسطهم ومعهم، كالأصغر فيهم وكالخادم لهم؛ وسلطته عليهم هي كسلطةِ يسوع: محبّة وخدمة وفداء (متى 20/ 28).
الآيات (28-30)
ما أن أنهى يسوع تعليمه هذا في السّلطة، وكأنّه قد ألغى به المفهوم البشريّ المألوف والممارس لها، حتّى توجّه إلى تلاميذه، ليدلّل ويثني، لا على إيمانهم به، المُرتكز على أعمال القُدرة الإلهيّة، التي أجراها أمامهم، بل على ثباتِهم معه في "تجاربه"، في مظاهر الضّعف والإذلال، الخاضع لها، والتي سيخضع لها، بكامل حرّيته ورضاه، في آلامه وموته؛ وليعدهم بأنّه سوف يعدّ لهم الملكوت، الذي سبق وأعدّه له الله الآب، ليكونوا معه، على مائدة وليمته السّماويّة، ويجلسوا على عروشهم، إلى جانب عرشه، ويشاركوه في دينونة أسباط إسرائيل الإثني عشر، وجميع البشر.
ثانيًا قراءة رعائيّة
الآيات (24-27)
يتوافق لوقا مع يوحنّا في إدراج تعاليم يسوع في السّلطة بعد العشاء الأخير، ويختلفُ مع متّى ومرقس، إذ نجد لديهم بعضَ هذه التّعاليم في أماكن أخرى؛ هنا، تعليم ليسوع يتحدّث عن الأكبر والأصغر، عن السيّد والخادم؛ أمّا يسوع فهو الخادم.
الآيات (28-30)
شاء يسوع أن يرى تلاميذه، في آلامه وموته، تتمّةً لرسالته؛ أمّا هم، فما زالوا يرون مسيحًا ظافرًا عسكريًّا (لو 9/ 46)؛ ومع ذلك، أثنى يسوع على تلاميذه الذين ثبتوا معه في تجاربه (محنته)، بهجوم الشرّ عليه (لو 11/ 16؛ رسل 20/ 19)؛ ووعدهم بأنّه سوف يُشركهم في ملكوته (1بط 2/ 9؛ رؤ 5/ 10؛ 22/ 5)، وصوّر أمامهم الملكوت بشكل وليمة (لو 22/ 16) مسيحانيّة (لو 13/ 28)، حيث يكون الرّسل مع يسوع ملوكًا وقضاة (في الدينونة الأخيرة 1قور 6/ 2؛ رؤ 20/ 4) على مِثالِ يسوع أمام بيلاطس.
الأب توما مهنّا